على طاعتهم، المصورة لهم على صورة المراكب، وهؤلاء الخواص من العباد والزهّاد والعلماء والصالحين، وأما خواص الخواص، وهم العارفون ومَن تعلق بهم، فهم الذين قال الله فيهم: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ تُقرب منهم، فيركبون فيها، ويسرحون إلى الجنة. انظر القشيري.
وقوله تعالى: هذا ما تُوعَدُونَ الإشارة إلى مقعد صدق، ولو كان إلى الجنة لقال «هذه». قاله القشيري. ثم وصف أهل هذا المقام بقوله: لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ أي: راجع إلى الله في جميع أموره، لا يعرف غيره، ولا يلتجىء إلا إليه، حفيظ لأنفاسه مع الله، لا يصرفها إلا في طلب الله، مَنْ خَشِيَ الرحمنَ بالغيب، أي: بنور الغيب يشاهد شواهد الحق، فيخشى بُعده أو حجبه. قال القشيري: والخشية تكون مقرونة بالأُنس، ولذلك لم يقل: مَن خشي الجبار. ثم قال: والخشية من الرحمن خشية الفراق، ويقال: هو مقتضى علمه بأنه يفعل ما يشاء، لاَ يُسأل عَمَّا يَفْعَلُ، ويقال: الخشية ألطف من الخوف، فكأنها قريبة من الهيبة. هـ. (وجاء بقلب منيب) مقبل على الله بكليته، معرض عما سواه، (ادخلوها) جنة المعارف (بسلام) من العيوب، آمنين من السلب والرجوع، وهذا قوله (ذلك يوم الخلود) فيها، لهم ما يشاءون من فنون المكاشفات، ولذيذ المشاهدات، ولدينا مزيد، زيادة ترقي أبداً سرمداً، جعلنا الله من هذا القبيل في الرعيل الأول، آمين.
ثم رجع إلى تهديد الكفرة، فقال
[سورة ق (٥٠) : الآيات ٣٦ الى ٣٨]
وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (٣٧) وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (٣٨)
يقول الحق جلّ جلاله: وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ قبل قومك مِنْ قَرْنٍ من القرون الذين كذَّبوا رسلهم هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ من قومك بَطْشاً قوة وسطوة، فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ أي: خرّبوا وطافوا وتصرّفوا في أقطارها، وجالوا في أكناف الأرض كلّ مجال حذار من الموت هَلْ وجدوا مِنْ مَحِيصٍ أي: مهرب منها؟
بل لَحِقَتهم ودقت أعناقهم، أو: هل وجدوا من مهرب من أمر الله وقضائه؟ وأصل التنقيب والنقب: البحث والطلب، قال امرؤ القيس:
لقد نَقَّبْتُ في الآفاقِ حَتَّى | رَضِيتُ من الغنيمة بالإياب «١» |