يسألون أيّان يومُ الدين لطول أملهم، أو يسألون أيَّان يوم الجزاء على المجاهدة. قال تعالى: هو (يوم هم) أي:
أهل الغفلة- على نار القطيعة أو الشهوة يُفتنون بالدنيا وأهوالها، والعارفون منزَّهون في جنات المعارف. ويقال للغافلين: ذُوقوا وبال فتنتكم، وهو الحجاب وسوء الحساب، هذا الذي كنتم به تستعجلون، بإنكاركم على أهل الدعوة الربانيين، فتستعجلون الفتح من غير مفتاح، تطلبون مقام المشاهدة من غير مجاهدة، وهو محال في عالم الحكمة «١». وبالله التوفيق.
ثم ذكر أضدادهم، فقال:
[سورة الذاريات (٥١) : الآيات ١٥ الى ١٩]
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٥) آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ (١٦) كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (١٧) وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨) وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (١٩)
يقول الحق جلّ جلاله: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ عظيمة، لا يبلغ كُنهها، ولا يُقادر قدرها، ولعل المراد بها الأنهار الجارية، بحيث يرونها، ويقع عليها أبصارهم، لا أنهم فيها، آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ أي:
نائلين ما أعطاهم راضين به، بمعنى أنَّ كلَّ ما يأتهم حسَنٌ مرضي، يتلقى بحسن القبول، إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ في الدنيا مُحْسِنِينَ متقنين لأعمالهم الصالحة، آتين بها على ما ينبغي، فلذلك نالوا ما نالوا من الفوز العظيم، ومعنى الإحسان ما فسره به عليه الصلاة والسّلام: «أن تعبد الله كأنك تراه» الحديث «٢». ومن جملته ما أشار إليه بقوله:
كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ أي: كانوا يهجعون، أي: ينامون في طائفة قليلة من الليل، على أن «قليلاً» ظرف أو كانوا يهجعون هجوعاً قليلاً، على أنه صفة لمصدر، و «ما» مزيدة في الوجهين، ويجوز أن تكون مصدرية مرتفعة ب «قليلاً» على الفاعل، أي: كانوا قليلاً من الليل هجوعهم. وقال النسفي: يرتفع هجوعهم على البدل من الواو في «كانوا» لا بقليلاً لأنه صار موصوفاً بقوله: مِنَ اللَّيْلِ فبعد من شبه الفعل وعمله، ولا يجوز أن
(٢) جزء من حديث سؤال سيدنا جبريل عن الإسلام والإيمان والإحسان، وهو حديث مشهور. أخرجه البخاري فى (الإيمان باب سؤال جبريل النّبى عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة، ح ٥٠) ومسلم فى (الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان رقم ٩، ح ٥) من حديث أبى هريرة رضي الله عنه.