وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ أي: هم يُواسون مَنْ قصدهم بالحس والمعنى، فيبذلون ما خوّلهم الله من الأموال، للسائل والمتعفف، وما خوّلهم الله من العلوم، للطالب والمعرض، وهو المحروم، فيقصدونه بالدواء بما أمكن فإنهم أطباء، والطبيب يقصد المريض أينما وجده، شفقةً ورحمة، ونُصحاً للعباد. وبالله التوفيق.
ثم ذكر دلائل قدرته على ما أقسم عليه من البعث، فقال:
[سورة الذاريات (٥١) : الآيات ٢٠ الى ٢٣]
وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ (٢٠) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٢١) وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ (٢٢) فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (٢٣)
يقول الحق جلّ جلاله: وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ دالة على كمال قدرته على البعث وغيره، من حيث أنها مدحوة كالبساط الممهد، وفيها مسالك وفجاج للمتقلبين في أقطارها، والسالكين في مناكبها، وفيها سهل وجبل، وبحر وبر، وقِطع متجاورات، وعيونٌ متفجرات، ومعادن مقنية، ودواب منبثة، مختلفة الصور والأشكال، متباينة الهيئات والأفعال، وهي مع كبر شكلها مبسوطة على الماء، المرفوع فوق الهواء، فالقدرة فيها ظاهرة، والحكمة فها باهرة، ففي ذلك عبرة لِلْمُوقِنِينَ الموحِّدين، الذين ينظرون بعين الأعتبار، ويُشاهدون صانعها ببصيرة الاستبصار.
وَفِي أَنْفُسِكُمْ آيات وعجائب القدرة إذ ليس شيء في العالم إلا وفي الأنفس له نظير، مع ما فيه من الهيئات النابعة والمصادر البهية، والترتيبات العجيبة، خَلَقَه نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم فصلها إلى العظم والعصب والعروق، فالعظام عمود الجسد، ضمّ بعضها إلى بعض بمفاصل وأقفال رُبطت بها، ولم تكن عظماً واحدا لأنه إذ ذاك يكون كالخشبة، لا يقوم ولا يجلس، ولا يركع ولا يسجد لخالقه، ثم خلق تعالى المخ في العظام في غاية الرطوبة ليرطب يُبس العظام، ويتقوّى به، ثم خلق سبحانه اللحمَ وعباه على العظام، وسدّ به خلل الجسد، واعتدلت هيئته، ثم خلق سبحانه العروق في جميع الجسد جداول، يجري الغذاء منها إلى أركان الجسد، لكل موضع من الجسد عدد معلوم، ثم أجرى الدم في العروق سيالاً خاثراً، ولو كان يابسا، أو اكتف مما هو فيه، لم يجرِ في العروق، ثم كسى سبحانه اللحمَ بالجلد كالوعاء له، ولولا ذلك لكان قشراً أحمر، وفي ذلك هلاكه، ثم كساه الشعر وقايةً وزينةً، وليّن أصوله، ولم تكن يابسة مثل رؤوس الإبر، وإلا لم يهنه عيش، وجعل الحواجب والأشفار وقاية للعين، ولولا ذلك لأهلكهما الغبار والسقط، وجعلها سبحانه طوع يده، يتمكن من رَفْعِها عند قصد النظر، ومِن إرخائها على جميع العين عند إرادة إمساك النظر عما يضر دِيناً ودُنيا، وجعل شعرها صفا واحدا لينظر من خللها،