، فلما أيست منه ذهبت تحفر شيئاً، فوجدت آنية مملوءة دنانير، فجاءت إليه، وقالت: قد أتانا رزقنا، قم تحفره معي، هو في موضع كذا، فقال: إنما قال تعالى: (في السماء) ولم يقل في الأرض، فامتنع، فذهبت إلى أخٍ لها تستعين به، فلما فتحتها وجدتها مملوءة عقارب، فقالت: والله لأطرحنها عليه لنستريح منه، ففتحت كوة من السقف، وطرحتها عليه، فسقطت دنانير، فقال: الآن نعم، قد آتاني من حيث قال ربي: وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ. هـ.
وذكر في التنوير: أن الملائكة لَمَّا نزلت هذه الآية ضجّت في السماء، وقالت: ما أضعف بني آدم حتى أحوجوا ربهم إلى الحلف.
الإشارة: وفي أرض نفوس العارفين آيات، منها: أن الأرض تحمل كل شيء، ولا تستثقل شيئاً، فكذلك نفس العارف، تحمل كُلَّ كَلٍّ وثقيل، ومَن استثقل حملاً، أو تبرّم من أحد، أو من شيء، ساقته القدرة إليه، فلغيبته عن الحق، ومطالعته الخلق بعين التفرقة، وأهل الحقائق لا يتصفون بهذه الصفة. ومنها: أنها يلقى عليها كل قذارة وقمامة فتُنبت كل زهر ونَور وورد، فكذلك العارف يُلقى عليه كل جفاء، ولا يظهر منه إلا الصفاء. ومنها: أن الأرض الطيبة تُنبت الطيب، وينصع نباتها، والأرض السبخة لا تُنبت شيئاً، كذلك القلوب الطيبة تُنبت كلَّ ما يُلقى فيها من الخير، والقلوب الخبيثة لا تعي شيئاً، ولا ينبت فيها إلا الخبيث.
وقوله تعالى: وَفِي أَنْفُسِكُمْ.. قال القشيري: يُشير إلى أن النفس مرآة جميع صفات الحق، لهذا قال عليه الصلاة والسّلام: «مَن عرف نفسه فقد عرف ربه» «١» فلا يعرف أحد نفسه إلا بعد كمالها، وكمالُها: أن تصير مرآةً كاملةً تامة مصقولة، قابلة لتجلِّي صفات الحق لها، فيعرف نفسه بالمرءاتية، ويعرف ربه بالتجلِّي فيها، كما قال تعالى: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ... الآية «٢». هـ.
قلت: حديث «مَن عرف نفسه» أنكره النووي، وقال إنه من كلام يحيى بن معاذ «٣» وقد اشتهر عند الصوفية حديثاً، ومعناه حق فإنَّ مَن عرف حقيقة نفسه، وأنها مظهر من مظاهر الحق، وغاب عن حس وجوده الوهم، فقد عرف ربه وشَهِدَه، فاطلب المعرفة في نفسك، ولا تطلبها في غيرك، فليس الأمر عنك خارجاً، ولله در الششتري في بعض أزجاله، حيث قال:
وإليْك هو السّيْرُ «٤»... وأنْت مَعْنَى الخَيْر
وما دونك غير
(٢) الآية ٥٣ من سورة فصلت.
(٣) على هامش النّسخة الأم ما يلى: قلت: كذا قالوا لأنهم وجدوه مرويا عنه، فظنوه من كلامه، وهو إنما رواه من التوراة، ففيها:
«قال الله تعالى: يا ابن آدم اعرف نفسك تعرف ربك» فمن هنا أخذ يحيى بن معاذ الرازي. هـ. [.....]
(٤) فى الديوان (ص ١١٤) :[وإليك السير].