خشب الساج للسفينة، فلم يمكنه نقلها، فحمل عُوج تلك الخشب إليه من الشام، فشكر الله له ذلك، ونجّاه من الغرق.
قاله الثعلبي «١». قلت: وقد تقدّم إبطاله في سورة العقود «٢»، وأنه من وضع الزنادقة. ذكره القسطلاني.
وَلَقَدْ تَرَكْناها أي: السفينة، أو: الفعلة، أي: جعلناها آيَةً يَعتبر بها مَن يقف على خبرها. وعن قتادة:
أبقاها الله بأرض الجزيرة، وقيل: على الجُوديَّ، حتى رآها أوائل هذه الأمة «٣». فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ من متعظ يتعظ ويعتبر، وأصله: مذتكر، فأبدلت التاء دالاً مهملة، وأدغمت الذال فيها لقرب المخرج، فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ؟! استفهام تعظيم وتعجيب، أي: كان عذابي وإنذاري لهم على هيئة هائلة، لا يُحيط بها الوصف، والنّذر:
جمع نذير، بمعنى الإنذار.
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ أي: سهّلناه للادّكار والاتعاظ بأن شحنَّاه بأنواع المواعظ والعِبر، وصرّفنا فيه من الوعد والوعيد ما فيه شفاء وكفاية. فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ؟ إنكار ونفي للمتعظ على أبلغ وجه، أي: فهل من متعظ يقبل الاتعاظ، وقيل: ولقد سهّلناه للحفظ، وأعنّا مَن أراد حفظه، فهل من طالب لحفظه ليُعان عليه؟ قال القشيري: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ يسَّر قراءته على ألسنة قوم، وعِلْمَه على قوم، وفهمه على قلوب قوم، وحِفْظه على قلوب قوم، وكلهم أهل القرآن، وكلهم أهل الله وخاصته. ويقال: كاشَفَ الأرواح من قومٍ قبل إدخالها في الأجساد، فهل من مُدكر يذكر العهد الذي جرى لنا معه؟. هـ.
ويروى: أن كتب أهل الأديان من التوراة في الإنجيل والزبور لا يتلوها أهلها إلا نظراً، ولا يحفظونها ظاهراً كالقرآن، وفي القوت: مما خصَّ اللهُ به هذه الأمة ثلاثة أشياء: حفظ كتابنا هذا، إلا ما ألهم اللهُ عزيزاً من التوراة بعد أن كان بختنصّر أحرق جميعها، ومنها: تبقية الإسناد فيهم، يأثره خلف عن سلف، متصلاً إلى نبينا صلّى الله عليه وسلم، وإنما كانوا يستنسخون الصُحف، كلما خلقت صحيفة جُددت، فكان ذلك أثرة العلم فيهم، والثالثة: أن كان مؤمن من هذه الأمة يسئل عن علم الإيمان، ويُسمع قوله مع حداثة سنه، ولم يكن مما مضى يسمعون العلم إلا مِن الأحبار والقسيسين والرهبان. وزاد رابعة: وهي ثبات الإيمان في قلوبهم، لا يعتوره شك، ولا يختلجه شرك، مع تقليب الجوارح في المعاصي. وقد قال قوم موسى: اجْعَلْ لَنا إِلهاً «٤» بعد أن رأوا الآيات العظيمة، من انفلاق البحر وغيره. هـ. قال أبو السعود: وحمل تيسيره على حفظه لا يساعده المقام. هـ.

(١) وذكره القرطبي فى تفسيره (٧/ ٦٤٨٩).
(٢) لم يذكر الشيخ شيئا عن عوج بن عنق فى تفسير سورة المائدة. وقد ولع بعض المفسرين بذكر قصة عوج عند تفسير قوله تعالى:
قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها المائدة/ ٢٢. وقد بين العلماء زيف ما نقل فى هذه القصة. راجع فى هذا، الإسرائيليات والموضوعات للدكتور محمد أبى شهبة/ ١٨٦. [.....]
(٣) أخرجه ابن جرير (٢٧/ ٩٥) وعزاه السيوطي فى الدر (٦/ ١٨٠) لعبد الرّزّاق وعبد بن حميد وابن المنذر.
(٤) من الآية ١٣٨ من سورة الأعراف.


الصفحة التالية
Icon