ثم قال القشيري: اعلم أن النفس حقيقة واحدة، غير متعددة، لكن بحسب توارد الصفات المتباينة تعددت أسماؤها، فإذا توجهت إلى الحق توجهاً كليّاً سميت مطمئنة، وإذا توجهت إلى الطبيعة البشرية توجهاً كليّاً سميت أمّارة، وإذا توجهت إلى الحق تارة، وإلى الطبيعة أخرى سميت لوّامة. هـ مختصراً.
ثم ذكر قصة لوط، فقال:
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ٣٣ الى ٤٠]
كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (٣٣) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ (٣٤) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (٣٥) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ (٣٦) وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (٣٧)
وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ (٣٨) فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (٣٩) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٤٠)
يقول الحق جلّ جلاله: كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ، وقد تقدّم، إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ أي: على قوم لوط حاصِباً أي: ريحاً تحصبهم، أي: ترميهم بالحصباء، إِلَّا آلَ لُوطٍ ابنتيه ومَن آمن معه، نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ ملتبسين بسَحَرٍ من الأسحار، ولذا صرفه، وهو آخر الليل، أو: السُدس الأخير منه، وقيل: هما سحران، فالسَحَر الأعلى: قبل انصداع الفجر، والآخر: عند انصداعه، نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا أي: إنعاماً منا، وهو علة لنجَّينا، كَذلِكَ أي: مثل ذلك الجزاء العجيب نَجْزِي مَنْ شَكَرَ نعمتنا بالإيمان والطاعة.
وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ لوط بَطْشَتَنا أخذتنا الشديدة بالعذاب، فَتَمارَوْا فكذّبوا بِالنُّذُرِ بإنذاره متشاكّين فيه، وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ قصدوا الفجور بأضيافه، فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ فمسخناها وسويناها كسائر الوجه، أي: صارت وجوههم صفيحة واحدة لا ثقب فيها.
رُوي أنهم لمَّا قصدوا دار لوط، وعالجوا بابها ليدخلوا، قالت الرسل للوط: خلّ بينهم وبين الدخول، فإنّا رُسلُ ربك، لن يصلُوا إليك. وفي رواية: لمّا مُنعوا من الباب تسوّروا الحائط، فدخلوا، فصفعهم جبريل بجناحه فتركهم عُمياً يترددون، ولا يهتدون إلى الباب، فأخرجهم لوط عُمياً. وقلنا لهم على ألسنة الرسل، أو بلسان الحال:
فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ أي: وبال إنذاري، والمراد به: الطمس فإنه من جملة ما أُنذروا به.


الصفحة التالية
Icon