بشوكتهم: نحن أولوا حزم ورأي، أمرنا مجتمع لا يقدَر علينا، أو: منتصرون من الأعداء، لا نغلب، أو:
متناصرون، ينصر بعضُنا بعضاً. والإفراد باعتبار لفظ «جميع».
سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ جمع أهل مكة، وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ الأدبار. والتوحيد لإرادة الجنس، أو: إرادة أنّ كل منهم يُولّي دبره، وقد كان كذلك يوم بدر. قال عمر رضي الله عنه: لما نزلت: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ كنت لا أدري أي جمع يُهزم؟ فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله ﷺ يلبس الدرع، ويقول: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ فعرفت تأويلها «١»، فالآية مكية على الصحيح. بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ أي: ليس هذا تمام عقوبتهم، بل الساعة موعد أصل عذابهم، وهذا طلائعه، وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ أي: أقصى غاية من الفظاعة والمرارة من عذاب الدنيا.
والداهية: الأمر الفظيع الذي لا يُهْتَدَى إلى الخلاص منه، وإظهار الساعة في موضع إضمارها تربيةً لهولها.
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ من الأولين والآخرين فِي ضَلالٍ عن الحق في الدنيا وَسُعُرٍ ونيران تحرق في الآخرة، أو: لفي هلاك ونيران مسعرة، يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ يُجرّون فيها عَلى وُجُوهِهِمْ ويقال لهم:
ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ أي: قيسوا حرها وأَلمها، كقولك: وَجَدَ مسَّ الحمَّى، وذاق طعم الضرب لأن النار إذا أصابتهم بحرّها فكأنها تمسهم مسّاً بذلك، و «سقر» غير مصروف للعلمية والتعريف لأنها علم لجهنم، من: سقَرتْه النار:
إذا لَوّحتْه.
الإشارة: ما قيل في منكري خصوصية النبوة، يُقال في منكري خصوصية الولاية إذا اشتغل بأذاهم، يعني: أنَّ مَن أنكر على الأولياء المتقدمين قد أصابهم ما أصابهم، إما ذُل في الظاهر، أو طرد في الباطن، وأنتم أيها المنكرون على أهل زمانكم مثلُهم. أمنتقدكم خير مِن أولئكم أم لكم براءة مِن العذاب في كتب الله تعالى؟ أم يقولون: نحن جميع، أي: مجتمعون على الدين، لا يُصيبنا ما أصاب الكفار، فيُقال لهم: سيُهزم جمعكم، ويتفرّق شملكم، وتُفضوا إلى ما أسلفتم، نادمين على ما فعلتم، ولن ينفع الندم حين تزل القدم، فتبقون في حسرة البُعد على الدوام، فالكفار حُرموا من جنة الزخارف، وأنتم تُحرمون من جنة المعارف، مع غم الحجاب وذُل البُعد عن الحضرة القدسية، إن المجرمين- وهم أهل الطعن والانتقاد- في ضلال عن طريق الوصول إلى الله، ونيران القطيعة، يوم