ولمَّا بيَّن سوء حال الكفرة بقوله: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ... الخ، بيَّن حُسن حال المؤمنين، جمعاً بين الترهيب والترغيب فقال: إِنَّ الْمُتَّقِينَ أي: الكفر والمعاصي فِي جَنَّاتٍ عظيمة وَنَهَرٍ أي: أنهار كذلك. والإفراد للاكتفاء بذكر الجنس، مراعاة للفواصل، وقرىء: «ونُهُر» «١» جمع «نَهَر»، كأَسَد وأُسُد. فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ في مكان مرضيّ، وقرئ «فيمقاعد صدق» «٢»، عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ أي: مقربين عند مليك قادر لا يُقادَر قدر ملكه وسلطانه، فلا شيء إلا وهو تحت ملكوته، سبحانه، ما أعظم شأنه. والعندية: عندية منزلة وكرامة وزلفى، لا مسافة ولا محاسّة.
الإشارة: هذه الآية وأشباهها هي التي غسلت القلوب من الأحزان والأغيار، وأراحت العبد من كدّ التدبير والاختيار لأنّ العاقل إذا علمَ عِلم يقين أنّ شئونه وأحواله، وكل ما ينزل به، قد عمّه القدر، لا يتقدّم شيء عن وقته ولا يتأخر، فوَّض أمره إلى الله، واستسلم لأحكام مولاه، وتلقى ما ينزل به من النوازل بالرضا والقبول، خيراً كان أو شرًّا، كما قال الشاعر:
إذَا كانتِ الأَقْدارُ مِن مَالكِ المُلْكِ | فَسِيَّان عِندي مَا يَسرُّ وما يُبكي |
تَسَلَّ عن الْهُمومِ تَسل «٣» | فَما الدُّنيا سِوى ثوبٍ يُعارُ |
وسَلِّم للمُهَيْمنِ في قَضَاهُ | ولاَ تَخْتَرْ فلَيْسَ لَكَ اخْتِيارُ |
فَما تَدرِي إِذا ما الليْلُ وَلَّى | بِأَيِّ غَريبةٍ يَاتِي النَّهار |
(٢) عزاها فى مختصر ابن خالويه/ ١٤٩ وفى البحر المحيط (٨/ ١٨٢) لعثمان البتى.
(٣) كذا، والشطرة غير مستقيمة الوزن، وقد تكون: «تسل عن الهموم به تسل».