قلت: مَنْ: شرطية، دخل عليها همزة الإنكار، والفاء عاطفة على جملة محذوفة ليتعلق الإنكار والنّفى بمضمونهما معاً، أي: أنت مالك أمر الناس، فمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ العذاب أفأنت تُنقذه، ثم كررت الهمزة في الجزاء لتأكيد الإنكار، وتكريره، لَمّا طال الكلام، ثم وضع موضع الضمير «مَن في النار» لمزيد تشديد الإنكار والاستبعاد، والتنبيه على أن المحكوم عليه بالعذاب بمنزلة الواقع في النار، ويجوز أن يكون الجزاء محذوفاً، دلّ عليه: أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ... الخ، أي: أفمن حقَّ عليه العذاب تنقذه أنت.
يقول الحق جلّ جلاله: أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ، وهم عبَدَة الطاغوت ومتبعو خطواتها، كما يلُوح إليه التعبير عنهم ب «مَن حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ العذاب»، فإن المراد بها قوله تعالى لإبليس: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ «١»، وقوله تعالى: لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ «٢»، أي: أفمن حقّت عليه كلمة الشقاء، تقدر أن تهديه وتُنقذه من الكفر، الذي هو سبب النار؟ أو: تقول: المحكوم عليه بالنار بمنزلة الداخل فيها، فاجتهاده صلّى الله عليه وسلم في دعائهم إلى الإيمان سعي في إنقاذهم من النار بعد الدخول فيها، وهو لا يفيد. فالمراد:
تسكينه صلّى الله عليه وسلم وتفريغه من الحرص عليهم.
الإشارة: مَن سبق له الإبعاد لا يفيده الكد والاجتهاد، ومَن أسدل بينه وبينه الحجاب، لا يفيده إلا الوقوف بالباب، حتى يحنّ الكريمُ الوهاب، فإنّ العواقب فى هذه الدار مبهمة، والأعمال بالخواتم. قال القشيري: والذين حقت عليهم كلمةُ العذاب، فإنهم اليوم اليوم لا يخرجون من حجاب قلوبهم. هـ. وبالله التوفيق.
ولمَّا كان المراد بقوله: أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ هم الذين قيل في حقهم: لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ «٣» استدرك عنهم أهل التقى، فقال:
[سورة الزمر (٣٩) : آية ٢٠]
لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعادَ (٢٠)
(٢) الآية ١٨ من سورة الأعراف.
(٣) الآية ١٦ من السورة.