فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ: أي الصلبة اليابسة مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أي: من أجل ذكره، الذي من حقه أن ينشرح له الصدر، وتلين له النفس، ويطمئن به القلب، وهؤلاء إذا ذكر الله عندهم اشمأزوا من أجله، وازدادت قلوبهم قساوة.
قال الفخر: اعلم أن ذكر الله سبب لحصول النور والهداية، وزيادة الاطمئنان في النفوس الطاهرة الروحانية، وقد يوجب القسوة والبُعد عن الحق في النفوس الخبيثة الشيطانية، فإذا عرفتَ هذا، فنقول: رأس الأدوية التي تفيد الصحة الروحانية ورتبتها: هو ذكر الله، فإذا اتفق لبعض النفوس أن صار ذكر الله سبباً لازدياد مرضها، كان مرض تلك النفوس مرضاً لا يرجى زواله، ولا يُتوقع علاجه، وكانت في نهاية الشر والرداءة، فلهذا المعنى قال تعالى: فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ وهذا كلام محقق. هـ. وهو كما قيل في الجُعَل «١» أنها تتضرر برياح الورد، أي: وتنتعش بالشين. ف كل مَن يفر من ذكر الله، ويثقل عليه، فقلبه جُعَل.
ذكره في الحاشية.
أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ أي: أولئك البُعَداء الموصوفون بما ذكر من قساوة القلوب في ضلال بعيد من الحق، ظاهر ضلاله لكل أحد. قيل: نزلت الآية في حمزة وعليّ- رضي الله عنهما- وأبي لهب وولده «٢»، وقيل:
في عمّار وأبي جهل. والحق: إنها عامة.
الإشارة: مَن أراد الله به السعادة شَرَح صدرَه للإسلام، فقَبِله وعمل عمله، ومَن أراد به جذب العناية وتحقيق الولاية، شرح صدره لطريق أهل مقام الإحسان، فدخل في طريقهم، وهيّأ نفسه لصُحبتهم وخدمتهم، فما زال يقطعون به مهامه النفوس حتى يقولون له: ها أنت وربك، فتلوح له الأنوار، وتُشرق عليه شموس المعارف والأسرار، حتى يفنى ويبقى بالله.
قال القشيري: والنورُ الذي من قِبَله تعالى نورُ اللوائح بتحقق العلم، ثم نورُ اللوامع بثبات الفهم، ثم نورُ المحاضرة بزوائد اليقين، ثم نور المكاشفة بتجلي الصفات، ثم نور المشاهدة بظهور الذات، ثم أنوار الصمدية بحقائق التوحيد، وعند ذلك فلا [وجد ولا فقد] «٣»، ولا بُعد ولا قُرب، كلا، بل هُوَ الله الواحد القهّار. هـ. فمَن لم يبلغ هذا لا يخلو قلبه من قساوة، فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله، أولئك فى ضلال مبين.

(١) الجعل: دابة سوداء من دواب الأرض، كالخنفساء. انظر اللسان (جعل ١/ ٦٣٨).
(٢) ذكره الواحدي فى أسباب النّزول (ص ٣٨٣) بدون إسناد.
(٣) فى الأصول [فلا وجه ولا قصة] والمثبت من القشيري. [.....]


الصفحة التالية
Icon