تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ أي: ترتعد وتنقبض، والاقشعرار: التقبُّض، يقال: اقشعرّ الجلد:
إذا انقبض، ويقال: اقشعر جلده و. وقف شعره: إذا عرض له خوف شديد، من منكر هائل دهمه بغتة. والمعنى: أنهم إذا سمعوا القرآن وقوارعه وزواجره، أصابتهم هيبة وخشية تقشعر منه جلودهم، وإذا ذكروا رحمة الله تعالى تبدلت خشيتهم رجاءً، ورهبتهم رغبةً، وذلك قوله تعالى: ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ أي: ساكنة مطمئنة إلى ذكر الله.
ذلِكَ أي: الكتاب الذي شُرِح أحواله هُدَى اللَّهِ، يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ أن يهديه، بصرف مجهوده إلى سبب الاهتداء به، أو بتأمله فيما في تضاعيفه من شواهد الحقيقة، ودلائل كونه من عند الله.
وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ أي: يخلق فيه الضلالة، بصرف قدرته إلى مبادئها، وإعراضه عما يرشد إلى الحق بالكلية، وعدم تأثُّره بوعده ووعيده، أو: مَن يخذله فَما لَهُ مِنْ هادٍ يُخلصه من ورطة الضلال. أو:
ذلك الذي ذكر من الخشية والرجاء هو أثر هدى الله، يهدي لذلك الأثر مَن يشاء من عباده، وَمَنْ يُضْلِلِ أي:
ومَن لم يؤثر فيه لطفه وهدايته لقسوة قلبه، وإصراره على فجوره فَما لَهُ مِنْ هادٍ: من مؤثر فيه بشيء قط.
الإشارة: أول ما يظهر الفتح على قلب العبد في فَهْم كتاب الله، والتمتُّع بحلاوة تلاوته، ثم ينتقل إلى الاستغراق في ذكره باللسان، ثم بالقلب، ثم إلى الفكرة، ثم العكوف في الحضرة، إن وجد مَن يربيه وينقله عن هذه المقامات، وإلا بقي في مقامه الأول.
وقال الطيبي: مَن أراد الله أن يهديه بالقرآن، أوقع في قلبه الخشية، كقوله: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ «١» ثم يتأثر منه ظاهراً، بأن تأخذه في بدء الحال قشعريرة لضعفه، وقوة سطوة الوارد، فإذا أدمن على سماعه، وأَلِفَ أنواره، يطمئن ويلين ويسكن. هـ. قلت: وعن هذا عبّر الصدّيق بقوله حين رأى قوماً يبكون عند سماعه: (كذلك كنا ثم قست القلوب) «٢» أي: صلبت وقويت على حمل الواردات.
وقال الورتجبي: سماع المريدين بإظهار الحال عليهم، وسماع العارفين بالطمأنينة والسكون. هـ. وقال على قوله: مُتَشابِهاً: إنه أخبر عن كلية الذات والصفات، التي منبعهما أصل القدم، وصفاته كذاته، وذاته كصفاته،

(١) من الآية ٢ من سورة البقرة.
(٢) نقله الحافظ أبو نعيم فى الحلية ١/ ٣٣- ٣٤، وراجع البحر المديد ٣/ ٣٤٦.


الصفحة التالية
Icon