كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من الأمم السالفة، فَأَتاهُمُ الْعَذابُ المقرر لكل أمة مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ: من الجهة التي لا يحتسبون، ولا يخطر ببالهم إتيان الشر منها. فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ أي: الذل والصغار فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، كالمسخ، والخسف، والقتل، والأسر، والإجلاء، وغير ذلك من فنون النكال، وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ المعد لهم أَكْبَرُ لشدته ودوامه لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ أي: لو كان من شأنهم أن يعلموا شيئاً لعلموا ذلك واعتبروا به.
والآية، يحتمل أن تكون تهديداً لقريش، فالضمير في قَبْلِهِمْ يعود إليهم لأن قوله: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ.. إلخ تعرض بمَن أعرض عن كتابه من كفار قريش. وقال أبو السعود: هو استئناف، مسوق لبيان ما أصاب بعض الكفرة من العذاب، إثر بيان ما يصيب الكل من العذاب الأخروي. هـ.
الإشارة: الوجه هو أشرفُ الأعضاء وإِمَامُها، فإن كانت في الباطن بهجة المحبة، أو سيما المعرفة، ظهرت عليه، فيتنورُ ويبتهج، وإن كانت ظلمة المعاصي، أو كآبة الحجاب، ظهرت عليه، وإن كانت غيبة في الحق أو سكرة، كان هو أول ما يغيب من الإنسان ويغرق، ثم تغيب البشرية في البحر المحيط، وهو بحر الأحدية. وقوله تعالى: فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ، قال القشيري: أشدُّ العذاب ما يكون بغتةً، كما أن أتمَّ السرور ما يكون فلتةً. وفي الهجران والفراق والشدة ما يكون بغتةً غير متوقعة، وهو أنكى للفؤاد، وأشدُّ في التأثير، وأوجعه للقلوب، وفي معناه أنشدوا «١» :
فَبِتَّ «٢» بخيرٍ والدُّنى مطمئنةٌ | فأصبحتَ يوماً والزمانُ تقَلُّبَا |
بينما خاطرُ المُنى بالتلاقي | سابحٌ «٣» في فؤاده وفؤادي |
جمَعَ اللهُ بيننا فالتقيْنا | هكذا بغتةً «٤» بلا ميعاد. هـ «٥» |
(٢) فى الأصول: فبتنا.
(٣) فى الأصول: سانح.
(٤) فى القشيري: صدفة.
(٥) انظر لطائف الإشارات ٣/ ٢٧٩.