سبيل. والمعنى: جعل الله مثلاً للمشرك حسبما يقوده إليه مذهبه، من ادعاء كل من معبوديه عبوديتَه، عبداً يتشارك فيه جماعة، يتجاذبونه في مهماته المتباينة في تحيُّره وتعبه، ومثلاً آخر للموحّد، وهو عبد خالص لرجل واحد فإنه يكون عند سيده أحظى، وبه أرفق.
هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا: إنكار واستبعاد لاستوائهما، وإيذان بأن ذلك من الجلاء والظهور، بحيث لا يقدر أحد أن يتفوّه باستوائهما ضرورة أن أحدهما في أعلى عليين، والآخر في أسفل سافلين.
وقرأ نافع وابن عامر والكوفيون سَلَماً بفتحتين، وهو مصدر، من: سلم له كذا: إذا خلُص، نُعت به للمبالغة، فالقراءتان «١» متفقتان معنى. والمراد من المثَل: تصوير استراحة الموحد وانجماعِه على معبوده، وتعب المشرك وتشتيت باله، وخصوصاً مع فرض التعاكس من الشركاء، فيصير متحيراً، وفي عنت كبير من الجمع بين أغراضهم، بل ربما يتعذر ذلك ويستحيل للتضاد في الأغراض والتناقض، مع فرض التخالف والتنازع بينهم، واعتبر ذلك بحال الوالدين، إذا اختلفا على الولد، فإنه يعسر إرضاؤهُما إلا بمشقة واحتيال، وكذلك عابد الأوثان فإنه معذَّب الفكر بها، وبحراسة حاله منها، ومتى توهم أنه أرضى واحداً في زعمه تفكر فيما يصنع مع الآخر، فهو أبداً في تعب وضلال، وكذلك هو المصانع للناس، الممتحن بخدمة الملوك. قاله ابن عطية.
والحاصل: أن إرضاء الواحد أسهل وأيسر من إرضاء الجماعة الْحَمْدُ لِلَّهِ على عدم استوائهما. [قال] «٢» الطيبي: ثم إذا لزمتهم الحجة قل: الحمد لله، شكراً على ما أولاك من النصرة، وقهر الأعداء بالحجج الساطعة. وفيه تنبيه للموحدين على أن ما لهم من المزية، وعلو الرتبة، بتوفيق الله تعالى، وأنه مِنَّة جليلة، موجبة عليهم أن يداواموا على حمده وعبادته، أو: حيث ضرب لهم المثل الأعلى، وللمشركين المثال السوء، فهذا صنع جميل، ولُطف تام، مستوجب لحمده وشكره بَلْ أَكْثَرُهُمْ أي: المشركون لا يَعْلَمُونَ ذلك، مع كمال ظهوره، فيقعون في ورطة الشرك والضلال، وهو انتقال من بيان الاستواء على الوجه المذكور، إلى بيان عدم علمهم ذلك، مع غاية ظهوره.
(سلما) بفتح السين واللام، بلا ألف، مصدرٌ وُصف به، مبالغة فى الخلوص من الشركة. انظر الإتحاف (٢/ ٤٢٩) والبحر المحيط (٧/ ٤٠٧).
(٢) زيادة ليست فى الأصول.