قُلْ تبكيتاً وتجهيلاً لهم: لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً أي: هو مالكها، ولا يقدر أحد أن يتصدّى لها، إلا أن يكون المشفوع له مرتضىً، والشفيع مأذوناً، وكلاهما مفقود في أصنامهم، ثم قرر اختصاصه بالشفاعة بقوله:
لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي: له التصرف فيهما، وفيما فيهما من المخلوقات، لا يملك أحد أن يتكلم في أمر من أموره بدون إذنه ورضاه، ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ يوم القيامة، لا إلى أحد سواه، فيفعل يومئذ ما يريد.
قال النسفي: لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اليوم ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ يوم القيامة، فلا يكون المُلك في ذلك اليوم إِلاّ له، فله المُلك في الدنيا والآخرة. هـ.
الإشارة: الشفاعة إنما تكون لأهل الجاه عند الله، والجاه يعظم بحسب التوجه، والتوجه يعظم على قدر المحبة، والمحبة على حسب العناية السابقة، يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ فبقدر أنوار التوجه تعظم أنوار المواجهة، وبقدر أنوار المواجهة تتسع المعرفة، وبحسب المعرفة يكون الجاه، وبقدر الجاه تتسع الشفاعة، حتى إن الواحد من الأولياء يشفع في وجود بأسره من أهل زمانه، إما عند موته، أو عند الحساب. والله تعالى أعلم.
ثم ذكر علامة أهل الشرك، فقال:
[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٤٥ الى ٤٦]
وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٥) قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٤٦)
قلت: «وحده» : منصوب عند سيبويه، على المصدر، وعند الفراء: على الحال، والظاهر: أنه أطلق المصدر على اسمه.
يقول الحق جلّ جلاله: وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ أي: إذا أُفرد الله بالذكر، ولم تُذكر معه آلهتهم، فمدار المعنى على قوله: وَحْدَهُ، اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أي: انقبضت ونفرت، كقوله:
... وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً «١»، وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ يعني: آلهتهم، ذُكر اللهُ معهم، أو لم يُذكر، إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ لفرط افتتانهم بها، ونسيانهم ذكر الله، أو: وإذا قيل لهم:
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، نفروا لأن فيه نفيا لآلهتهم.