وإذا سمع ما يدلّ على الدنيا والبطالة اشمأز وانقبض، والمريد السائر، إذا سمع ما يُقرب إلى الله فرح وانبسط، وإذا سمع ما يبعد عنه من ذكره السِّوى اشمأز وانقبض، وأما الواصل الكامل فلا ينقبض من شيء لزيادته إلى الله بكل شيء لأنه عرف الله في كل شيء، وسمع منه في كل شيء، فلا يحجبه عن الله شيء، قد فنيت دائرة حسه، واتسعت دائرة معرفته، يأخذ النصيب من كل شيء، ولا يأخذ النصيبَ منه شيء.
قال الشيخ أبو الحسن الشاذلى رضي الله عنه: في بعض كتب الله المنزلة على أنبيائه، يقول الله تعالى: مَن أطاعني في كل شيء، بهجرانه لكل شيء، أطعته في كل شيء، بأن أتجلى له دون كل شيء، حتى يراني أقرب إليه من كل شيء. هذه طريق أُولى، وهي طريق السالكين. وطريق أخرى كبرى: مَن أطاعني في كل شيء، بإقباله علي كل شيء، لحسن إرادة مولاه في كل شيء، أطعته في كل شيء، بأن أتجلّى له في كل شيء، حتى يراني كأني كل شىء. هـ.
ثم ذكر وبال الشرك، فقال:
[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٤٧ الى ٤٨]
وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (٤٧) وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٤٨)
يقول الحق جلّ جلاله: وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا بالشرك، ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً: من الأموال والذخائر، وَمِثْلَهُ مَعَهُ زائد عليه، لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ أي: شدته، يَوْمَ الْقِيامَةِ أي: لو أن لهم جميع ما في الدنيا لجعلوا ذلك فدية لأنفسهم من العذاب الشديد، وهيهات هيهات، ولات حين مناص. وهذا كما ترى وعيد شديد لأهل الشرك، وإقناط كلي لهم. وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ أي: ظهر لهم من فنون العقوبات ما لم يكن في ظنهم وحسبانهم، ولم يُحدِّثوا به نفوسهم. وهذا غاية من الوعيد، لا غاية وراءها، ونظيره في الوعد: قوله تعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ «١».

(١) من الآية ١٧ من سورة السجدة.


الصفحة التالية
Icon