قال الورتجبي: كانوا منطمسة العيون عما ألبسه الحق من أنوار ربوبيته، وسنا جلاله وجماله، لم يروا إلا الصورة الإنسانية، التي هي ميراث آدم من ظاهر الخلقة. وهذا كقوله: وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ «١»، استبعدوا اصطفائيته بالوحي، ولم يعرفوا أنه أثرُ اللهِ في العالم، ومشكاةُ تجلِّيه، حتى قالوا مثل ما قالوا: وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ، رأوا أنفسهم خالية عن مشاهدة الغيوب، وإدراك نور صفات الحق، فقاسوا نفس محمد ﷺ بأنفسهم، ولم يعلموا أنه كان نفسَ النفوس، وروحَ الأرواح، وأصل الخليقة، وباكورةً من بساتين الربوبية. يا ليتهم لو رأوه في مشاهدة الملكوت، ومناصب الجبروت، إذ خاطبه الحق بلولاك ما خلقتُ الأفلاك. هـ.
الإشارة: هذه عادة الله تعالى في خلقه، كل مَن يأمر الناس بالتجريد، وخرق العوائد، وصريح التوحيد، وترك ما عليه الناس من جمع الدنيا، وحب الرئاسة، والجاه، أنكروه، وسفَّهوا رأيه، وقالوا فيه: ساحر كذَّاب. ويقول بعضهم لبعض: امشوا واصبروا على ما أنتم عليه، من جمع الدنيا، والخدمة على العيال، وعلى ما وجدتم عليه أسلافكم، من الوقوف مع العوائد، ما سمعنا بهذا الذي يدلّ عليه هذا الرجل من ترك الأسباب والانقطاع إلى الله في هذا الزمان، إن هذا إلا اختلاق، أأُنزلت عليه الخصوصية من بيننا، ولم يعلموا أنَّ الله يختص برحمته مَن يشاء، ويبعث في كل زمان مَن يُجدد الدين بتربية مخصوصة. والله تعالى أعلم.
ثم رَدّ عليهم بقوله:
بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ...
يقول الحق جلّ جلاله: بَلْ هُمْ أي: كفار قريش فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي من القرآن، أو الوحي، لميلهم إلى التقليد، وإعراضهم عن النظر في الأدلة المؤدية إلى علم حقيقته، بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ أي: بل لَمَّا يذوقوا عذابي الموعود في القرآن، ولذلك شكُّوا فيه، فإذا ذاقوه زال ما بهم من الشك والحسد حينئذ، أي: إنهم لا يُصدِّقون به إلا أن يمسّهم العذاب، فحينئذ يُصدّقون، ولات حين تصديق.