وَأَسْلِمُوا لَهُ أي: اخضعوا له، وانقادوا لأمره. قال القشيري: أي: أَخلصوا في طاعتكم، والإسلامُ- الذي هو الإخلاص بعد الإنابة-: هو أن يعلم نجاته بفضلِه، لا بإنابته فبفضله يصل إلى إثابته، لا بإنابته يصل إلى فضله. هـ. مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ في الدنيا، أو في الآخرة، إن لم تتوبوا قبل نزول العقاب.
قال القشيري: العذاب هنا، قيل: الفراق، وقيل: هو أن يفوتَه وقت الرجوعِ بسوء الإياس. هـ. ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ:
لا تُمنعون منه أبداً.
الإشارة: لا يعظم عندك الذنب عظمة تصدك عن حسن الظن بالله، فإن مَن استحضر عظمة ربه صغر في عينه كل شيء. وتذكر قضية الرجل الذي قتل تسعاً وتسعين نفساً، ثم سأل راهباً: هل له توبة؟ فقال: لا، فكمل به المائة، ثم سأل عارفاً، فقال له: ومَن يحول بينك وبينها؟ لكن اخرج من القرية التي كنت تعصي فيها، واذهب إلى قوم يعبدون الله في مكان، فذهب، فأدركه الموت في الطريق، فلما أحسّ بالموت انحاز بصدره إلى القرية التي قصدها، ثم مات، فاختصمت فيه ملائكة العذاب وملائكة الرحمة، فقال لهم الحق تعالى «١» : قيسوا من القرية التي خرج منها، إلى القرية التي قصدها، فإلى أيهما هو أقرب هو منها؟ فوجدوه أقرب إلى القرية التي قصدها بشبر، فأخذته ملائكة الرحمة «٢». إلى غير ذلك من الحكايات التي لا تحصى في هذا المعنى.
وتأمل قضية الشاب الذي أتى النبي ﷺ يبكي، فقال: ما يبكيك؟ قال: ذنوبي. فقال له عليه السلام: إن الله يغفر ذنوبك، ولو كانت مثل السماوات السبع، والأرضين السبع، والجبال الرواسي، فقال: يا رسول الله، ذنب من ذنوبي أعظم من السماوات السبع والأرضين السبع، فقال له: ذنوبك أعظم أو العرش؟ قال: ذنوبي، فقال له: ذنوبك أعظم أو الكرسي؟ قال: ذنوبي، فقال: ذنوبك أعظم أو إلهك؟ فقال: الله أعظم، فقال: فأخبرني عن ذنبك. قال: إني أستحيي، فقال: فأخبرني، فقال: إني كنت نبّاشاً أنبش القبور منذ سبع سنين، حتى ماتت جارية من بنات الأنصار، فنبشتها، وأخرجتها من كفنها، فمضيت، ثم غلبني الشيطان، فرجعت، فجامعتها، فقامت الجارية، وقالت: الويل لك يا شاب من دَيّان يوم الدين، يوم يضع كرسيه للقضاء، يأخذ من الظالم للمظلوم، تركتني عريانة في عساكر الموتى، وأوقفتني جُنباً ين يدي الله، فقام النبي ﷺ وهو يضرب في قفاه، وهو يقول: يا فاسق، اخرج، ما أقربك من النار، فخرج الشاب تائباً إلى الله تعالى، حتى أتى عليه ما شاء الله، ثم قال: يا إله محمد وآدم وحواء، إن كنت
(٢) أخرج القصة البخاري فى (أحاديث الأنبياء، باب حديث الغار، ح ٣٤٧٠) ومسلم فى (التوبة، باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله، ٤/ ٢١١٨، ح ٢٧٦٦) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.