نفساً، فإذا تنفّس مدَّ البحرُ، وإذا هدأ نَفَسُه جزرَ البحر، فلم يكن لقوائم الثور موضع قرار، فخلق الله صخرة خضراء، كغلظ سبع سموات وسبع أرضين، فاستقرت قوائم الثور عليها، وهي الصخرة التي قال لقمان لابنه: ﴿فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ﴾ [لقمان: ١٦] الآية، فلم تستقر الصخرة، فخلق الله نوناً ـ وهو الحوت العظيم ـ فوضع الصخرة على ظهره، وسائر جسده عارٍ، والحوت على البحر، والبحر على متن الريح، والريح على القدرة الأزلية، يُقلُّ الدنيا بما فيها حرفان " كن فيكون ". هـ. من الثعلبي، وهذا من باب عالَم الحكمة، وإلاَّ فما ثَمَّ إلا تجليات الحق وأسرار الذات، والصفات الأزلية. وتفسير ﴿ن﴾ بهذا الحوت ضعيف.
قال ابن جزي: ويُبطل قول مَن قال: إنه الحوت أو الدواة، بأنه لو كان كذلك لكان مُعرباً، ولَكَان في آخره تنوين، فكونه موقوفاً دليل على أنه حرف هجاء، نحو: ﴿الام﴾ وغيره. هـ.
ثم أقسم بالقلم، فقال: ﴿والقلم وما يسطرون﴾، قيل: هو القلم الذي كتب اللوح المحفوظ، فالضمير في ﴿يسطرون﴾ للملائكة، وقيل: القلم المعروف عند الناس، أقسم له بِما فيه من المنافع والحِكم. قال ابن الهيثم: من جلالة القلم أنه لم يكتب الله كتاباً إلا به، ولذلك أقسم به. الأقلام مطايا الفِطن ورسل الكرام، وقيل: البيان اثنان: بيان لسان، وبيان بَنَان، ومِن فضل بيان البنان أنَّ ما تبيَّنته الأقلام باق على الأيام، وبيان اللسان تدْرُسه الأعوام، ولبعض الحكماء: قِوام أمور الدين والدنيا: القلم، والسيف تحت القلم. وأنشد بعضهم في هذا المعنى:
قَلَمٌ مِنَ القَصَبِ الضَّعيف الأجْوفِ
أَمضَى من الرُّمْح الطويل الأهيَفِ
ومِن النِّصال إذا انْبَرَتْ لِقسِيِّها
ومِن المُهَنَّد في الصِّقال المُرْهَفِ
وأَشَدُّ إِقدَاماً من الليْثِ الذي
يَكْوِي القُلوبَ إذا بدا في الموقِفِ
وقال آخر:
قَوْمٌ إذا عَرَفوا عَداوةَ حَاسِدٍ
سَفَكُوا الدِّمَا بأَسِنَّةِ الأَقْلامِ
ولَضَرْبَةٌ مِن كاتبٍ بِبَنَانِهِ
أَمْضَى وأَبْلَغُ من رقيق حُسَامِ
فالضمير في ﴿يَسْطُرون﴾ على هذا لبني آدم، فالضمير يعود على الكتبة المفهومة من القلم اللازمة له.
ثم ذكر المقسَم عليه، فقال: ﴿ما أنت بنعمةِ ربك بمجنونٍ﴾ أي: ليس بك جنون كما يزعمه الكفرة، فـ (بنعمة ربك) : اعتراض بين " ما " وخبرها، كما تقول: أنت بحمد الله فاضل، وقيل: المجرور في موضع الحال، والعامل فيه معنى النفي، كأنه قيل: أنت بريء