﴿زنيمٍ﴾ ؛ دَعِيّ، أي: ولد زنا، وكان الوليد دَعِياً في قريش، ليس من سِنْخهم، ادّعاه أبوه المغيرة بعد ثماني عشرة سنة من مولده، وقيل: بغَت أمه ولم يعرف حتى فضحته الآية: والنطفة إذا خبثت خبث الناشىء عنها. رُوي: أنه دخل على أمه، وقال لها: إنَّ محمداً وصفني بشعرة أوصاف، وجدت تسعة فِيّ، فأما الزنيم فلا علم لي به، فإن أخبرتني بحقيقته، وإلاّ ضربت عنقك، فقالت: إنَّ أباك عنّين، وخفتُ أن يموت، فيصل المال إلى غير ولده، فدعوت راعياً، فأنت من ذلك الراعي. هـ. وقيل: هو الأخنس بن شريق، أصله من ثقيف، وعِدادُه في بني زهرة.
﴿أن كان ذا مالٍ وبنينَ﴾ : متعلق بقوله: ﴿لا تُطع﴾ أي: لاتُطع مَن هذه مثالِبه لأن كان صاحب مال وبنينَ مستظهراً بهم، فإنه حظه من الدنيا، وقيل: متعلق بما بعده، أي: لأن كان ذا مال وبنين كذّب بآياتنا، يدلّ عليه قوله تعالى: ﴿إذا تُتلى عليه آياتُنا﴾ أي: القرآن ﴿قال أساطيرُ الأولين﴾ أي: أكاذيب المتقدمين، ولا يعمل فيه " قال "؛ لأنّ ما بعد الشرط لا يعمل فيما قبله. ومَن قرأ بكسر " إن " فشرط حُذف جوابه، أي: إن كان ذا مال فلا تُطعه، والمعنى: لا تُطع كل حلاّف شارطاً يَسَارَه. قيل: لمّا عاب الوليدُ النبيَّ ﷺ كاذباً بأمر واحد، وهو الجنون، سمّاه اللهُ تعالى صادقاً بعشرة أسماء، فإذا كان مِن عدله أن يجزي المسيء إلى رسول الله ﷺ بعشر، كان من فضله أن يجزي المُصلِّي عليه أو المادح له بعشر فأكثر.
﴿سَنَسِمُه على الخرطوم﴾ ؛ سنعلِّمه على أنفه بالكي بالنار إهانةً له، وتخصيص الأنف بالذكر؛ لأنَّ الوسم عليه أبشع، وقيل: خطم بالسيف يوم بدر، فبقيت سمة على خرطومه، وفيه نظر إذا قلنا هو الوليد، فإنه مات قبل بدر، لأنه من المستنصرين الخمسة، وقد ماتوا كلهم قبل وقعة بدر، وقيل: سنعلمه يوم القيامة بعلامة يُشوه بها من بين سائر الكفرة.
الإشارة: فستُبصر أيها العارف، والمتوجّه إلى الله، ويُبصر أهل الانتقاد من أهل الغفلة، أيكم المفتون، هل أنتم حين اجتمعت قلوبكم بالله، وجعلتم الهموم هَمًّا واحداً، فكفاكم الله همّ دنياكم، أو: هُم الذين تفرّقت قلوبهم، وتشعّبت همومهم، حتى ماتوا في أودية الفتن، فلم يُبالِ الله بهم في أيّ أودية الدنيا هلكوا، كما في الأثر. إِنَّ ربك هو أعلم بمَن ضَلّ عن طريقه الموصلة إليه، وهو أعلم بالمهتدين إليها، السائرين فيها، حتى وصلوا إلى حضرة قدسه، فلا تُطع أيها المتوجّه المكذّبين لهذه الطريق، ودُّوا لو تلينون إليهم، وتشاركونهم فيما هم فيه من الحظوظ، فيميلون إليكم، طمعاً فيكم أن يصرفوكم