حفظهم محض عصمته تعالى، وإنما السفينة سبب صوري.
﴿لِنجعلَها﴾ أي: الفعلة التي هي عبارة عن إنجاء المؤمنين وإغراق الكافرين ﴿لكم تذكرةً﴾ ؛ عِبرة ودلالة على كمال قدرته تعالى وحكمته، وقوة قهره، وسعة رحمته ﴿وتَعِيَها﴾ أي: تحفظها. والوعي: أن تحفظ الشيء في نفسك، والإيعاء: أن تحفظه في غيرك، ﴿أُذنٌ واعيةٌ﴾ أي: أُذن مِن شأنها أن تحفظ ما يجب حفظه، بتذكيره وإشاعته والتفكُّر فيه، ولا تضيعة بترك العمل به. والتنكير لدلالة قلتها. قال قتادة: الأذن الواعية هي التي عقلت عن الله، وانتفعت بما سمعت. وعن عليّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سألتُ الله تعالى أن يجعلها أذنَك يا علي " قال: فما سمعتُ من رسول الله ﷺ شيئاً ونسيته قط.
الإشارة: وجاء فرعون النفس، ومَن تقدمه من شواغل الدنيا، ووساوس الشيطان، أو مَن قِبَلَهُ من هامان الهوى، وقارون الحظوظ، والمؤتفكات: القلوب المُنَكَّسَةِ عن قبول الحق، أتت بالخاطئة، وهي الإصرار على الوقوف مع العوائد والحظوظ، فعَصَوا رسولَ ربهم، وهو مَن يدعوهم إلى الله، بالخروج عن عوائدهم، فأخذهم بالهلاك، والبُعد والطرد عن ساحة الحضرة، أخذةً رابية زائدة على قُبح فعلهم، لتأبُّدهم في غمِّ الحجاب. إنّا لما طغا الماء، وهو طوفان حب الدنيا، عَمَّ الناسَ وأغرقهم في بحر الهوى، حملناكم ـ يا معشر أهل النسبة، الذين أجابوا الداعي، ودخلوا في حصن تربيته في سفينة النجاة، ليَعْتبر بكم مَن تقدّم عنكم ومَن تأخر، أو: لمّا طغى الماء الغيبي وظهر، وانطبق بحر الأحدية عليكم، حملناكم في سفينة الشريعة؛ لئلا تصطلموا، أو: حملناكم في سفينة الأفكار الجارية في بحار الملكوت وأسرار الجبروت، لنجلعها لكم تذكرة وترقية، وتعيها أُذن واعية راسخة في علم الربوبية، فتدونَها في الكتب؛ لينتفع بها مَن يروم العوم في تلك البحار، وهذا شأن مَن غنَّى بتلك الأسرار، كالششتري وغيره، أو ألَّف فيها كابن عطاء الله وأمثاله، نفع الله ببركاتهم.
يقول الحق جلّ جلاله: ﴿فإِذا نُفخ في الصُّور نفخةٌ واحدةُ﴾، وهي النفخة الأولى، وتموت عندها الخلائق، والثانية يحيون عندها، ﴿وحُمِلتِ الأرضُ والجبالُ﴾ أي: قلعت