التكوين باقية على أصلها من اللطافة والكنزية، والعظمةَ الداخلة في القبضة حين دخلها التكثيف، وتحسّست ليقع بها التجلِّي، استترت وتردّت برداء الكبرياء، فظهر فيها الضدان؛ العبودية والربوبية، والحس والمعنى، والقدرة والحكمة، فاستترت الربوبية برداء الكبرياء، فكان من اصطلاح الوحي التنزيلي أن يُخبر عن العظمة الأصلية، وينعت أوصافها، ويسكت عن العظمة الفرعية، التي وقع بها التجلِّي، ستراً لسر الربوبية أن يظهر، إذ لو ظهر لفسد نظام عالم الحكمة، ولذلك قال سهل رضي الله عنه: للألوهية سر لو انكشف لبطلت النبوات، وللنبوات سر لو انكشف لبطل العِلم، وللعلم سر لو انكشف لبطلت الأحكام. هـ.
فَسِرُّ الألوهية هو قيامها بالأشياء، وظهورها بها، بل لا وجود للأشياء معها، فلو انكشف هذا السر لجميع الناس لاستغنوا عن العبادة والعبودية، ولبطلت أحكام النبوة، إذ النبوة إنما هي لبيان العبادة وآداب العبودية، وعند ظهور هذا السر يقع الاستغناء عن تلقي الوحي. وأيضاً، ليست القلوب كلها تقدر على حمل هذا السر، فلو تجلّى للقلوب الضعيفة لوقع لها الدهش والحيرة، وربما أدّاها إلى التلف. وسر النبوات هو سدل الحجاب بين الله وعباده، حتى يفتقر الناس إلى تلقي العلم بواسطة النبوة، فلو انكشف هذا الحجاب لوقع الاستغناء عن النبوة، لتلقِّيه حينئذ كشفاً بدونها من غير تكلُّف، وسر العلم هو إبهام العواقب، فلو انكشف هذا السر وعرف كل واحد مآله للجنة أو النار؛ لبطلت الأحكام؛ إذ مَن عرف أنه للجنة قطعاً استغنى عن العبادة، ومَن عرف أنه للنار قطعاً انهمك في المعاصي، فأخفى الله هذا السر ليعمل كل واحد على الرجاء والخوف. والله تعالى أعلم.
يقول الحق جل جلاله: ﴿فأما مَن أُوتي كتابه بيمينه فيقول﴾ تبجُّحاً وابتهاجاً وسروراً، لِما يرى فيه من الخيرات خطاباً لجماعته: ﴿هاؤُمُ﴾ : اسم فعل، بمعنى خُذوا،