على الله، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، أو جبريل عليه السلام، أي: يقوله ويتكلم به على وجه الرسالة من عند الله عزّ وجل، ﴿وما هو بقولِ شاعرٍ﴾ كما تزعمون تارة، ﴿قليلاً ما تؤمنون﴾ أي: إيماناً قليلاً تؤمنون، ﴿ولا بقول كاهنٍ﴾ كما تزعمون ذلك تارة أخرى، والكاهن هو الذي يُخبر عن بعض المضمرات، فيُصيب بعضها ويخطىء أكثرها، ويزعم أنَّ الجن تُخبره بذلك، ويدخل فيه: مَن يُخبر عن المغيبات من جهة النجوم أو الحساب، ﴿قليلاً ما تذكّرون﴾، والقلة في معنى العدم، يقال: هذه أرض قلما تُنبت؛ أي: لا تنبت أصلاً، والمعنى: لا تؤمنون ولا تذكرون ألبتّة.
وقال ابن عطية: يحتمل أن تكون (ما) نافية؛ فينتفي إيمانهم ألبتة، ويحتمل أن تكون مصدرية، فيتصف إيمانهم بالقلة، ويكون إيماناً لغوياً؛ لأنهم صدّقوا بأشياء يسيرة، لا تغني شيئاً. هـ. فتحصل في (ما) ثلاثة أقوال؛ المشهور: أنها زائدة لتأكيد القلة. قال أبو السعود: قيل: ذكر الإيمان مع نفي الشاعرية؛ لأنّ عدم مشابهة القرآن للشِعر أمر بيِّن، لا يُنكره إلاَّ معاند، بخلاف مباينته للكهانة؛ فإنه يتوقف على تذكُّر أحواله ﷺ ومعاني القرآن المنافية لطريقة الكهنة، ومعاني أقوالهم، وأنت خبير بأنَّ ذلك أيضاً مما لا يتوقف على تأمُّل قطعاً. وقُرىء بالياء فيهما. هـ.
﴿
تنزيلٌ من رَبِّ العالمين﴾
أي: هو تنزيل، وهو تقرير لكنه قول رسول كريم، نزل عليه من رب العالمين، أنزله على لسان جبريل صلى الله عليه وسلم، ﴿ولو تقوَّل علينا﴾ محمد ﴿بعضَ الأقاويل﴾ أي: ولو ادّعى علينا شيئاً لم نَقُلْهُ افتراء علينا. سَمَّى الافتراء تقوُّلاً؛ لأنه قول متكلّف، والأقوال المفتراة أقاويل، تحقيراً لها، كأنها جمع أفعولة، من القوْل، كالأضاحيك، ﴿لأخذنا منه باليمين﴾ أي: لقتلناه صبراً، كما تفعل الملوك بمَن يَكذب عليهم، مُعاجلةً بالسخط والانتقام، فصوّر قتل الصبر بصورته؛ ليكون أهْول، وهو أن يأخذ بيده، وتصرب رقبته، وخصَّ اليمين؛ لأنَّ القتَّال إذا أراد أن يوقع الضرب في قفاه أخذ بيساره، وإذا أراد أن يوقعه في جيده، وهو أن يكفحه بالسيف ـ وهو أشد على المصبور؛ لنظره إلى السيف ـ أخذه بيمينه، ومعنى ﴿لأخذنا منه باليمين﴾ : لأخذنا بيمينه، ﴿ثم لقطعنا منه الوتينَ﴾ أي: لقطعنا وتينه، وهو نياط القلب، إذا قطع مات صاحبه. ﴿فما منكم﴾، الخطاب للناس، أو المسلمين، ﴿مِن أحدٍ﴾ " من " زائدة، ﴿عنه﴾ أي: عن القتل أو المقتول، ﴿حاجزين﴾ ؛ دافعين، وجمعَه، وإن كان وصفاً لـ " أحد "؛ لأنه في معنى الجماعة؛ لأنَّ النكرة بعد النفي تعم.
﴿وإِنه﴾ أي: القرآن ﴿لتذكرةٌ﴾ ؛ لَعِظةٌ ﴿للمتقين﴾ لأنهم المنتفعون به، ﴿وإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُكَذِّبِينَ﴾ فنُجازيهم على تكذيبهم، ﴿وإِنه لحسرةٌ على الكافرين﴾ عند مشاهدتهم لثواب المؤمنين له، ﴿وإِنه لَحقُّ اليقين﴾ أي: محض اليقين الذي لا يحوم حوله ريب ما، وحق اليقين فوق عين اليقين على ما يأتي. ﴿فسَبِّحْ باسم رَبِّكَ العظيمِ﴾ أي: فَسبِّح بذكر


الصفحة التالية
Icon