وقوله تعالى: ﴿بعذاب﴾ إذا كان " سال " من السيلان، فالباء على بابها، أي: سال واد بعذاب للكافرين، وإذا كان من السؤال فالباء بمعنى " عن " كقوله تعالى: ﴿فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً﴾ [الفرقان: ٥٩] أي: سأل عن عذاب، أو ضَمَّن " سأل " معنى دعا، فعدّى تعديته، مِن قولك: دعا بكذا إذا استدعاه وطلبه، ومنه قوله تعالى: ﴿يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ﴾ [الدخان: ٥٥] أي: دعا داع بعذابٍ واقع لا محالة، إما في الدنيا أو الآخرة، و " للكافرين ": صفة ثانية لعذاب، أي: بعذاب واقع حاصل للكافرين، أو متعلق بسَأل، أي: دعا للكافرين بعذاب واقع، ﴿ليس له﴾ أي: لذلك العذاب ﴿دافع﴾ ؛ راد ﴿من الله﴾ : متصل بواقع، أي: واقع من عند الله، أو بدافع، أي: ليس له دافع من جهته تعالى إذا جاء وقته، والجملة: صفة أخرى لعذاب، أو حال منه أو استئناف. ﴿ذي المعارج﴾ أي: ذي المصاعد، التي تصعد فيها الملائكة بالأوامر والنواهي، وهي السموات المترتبة بعضها فوق بعض، أو: ذي الفواضل العالية، أو معالي الدرجات، أو الدرجات التي يصعد فيها الكلم الطيب والعمل الصالح، أو: يرقى فيها المؤمنون في سلوكهم.
﴿
تعرُجُ الملائكةُ والرُّوحُ﴾ أي: جبريل عليه السلام، أُفرد بالذكر لتميُّزه وفضله، أو الروح: خلقٌ من الملائكة هم حفظة على الملائكة، كما أنَّ الملائكة حفظةٌ علينا، أو: أرواح المؤمنين عند الموت، فإنها تعرج إلى سدرة المنتهى، فتُحاسَب، ثم تدخل الجنة لترى مقعدها، ثم ترجع للسؤال في القبر، وقوله تعالى: ﴿إِليه﴾ أي: إلى عرشه ومهبط أمره ﴿في يوم كان مقدارُه خمسين ألفَ سنةٍ﴾ مما يعده الناس، وهو بيان لغاية ارتفاع تلك المعارج وبُعد مداها، على منهاج التمثيل والتخييل. والمعنى: أنها من الارتفاع بحيث لو قدر قطعها في زمان؛ لكان ذلك الزمان مقدار خمسين ألف سنة من سِنيِّ الدنيا، وقيل: معناه: تعرج الملائكة والروح إلى عرشه تعالى في كل يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، أي: يقطعون في يوم ما يقطعه الإنسان في خمسين ألف سنة.
وقد تقدّم الجواب في سورة السجدة عن المعارضة بين ما هنا وبين قوله هناك: ﴿كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ [السجدة: ٥]، وحاصله: أنَّ الحق تعالى موجود في كل زمان ومكان، فلا يخلو منه مكان ولا زمان، فحيث علّق العروج بتدبير الأمر قرَّب المسافة، وحيث علّقه بذاته، بحيث جعل العروج إليها، بعَّدها؛ تنبيهاً على علو شأنه وارتفاع عظمته. وقيل: هو من [صلة] قوله: ﴿واقع﴾ أي: يقع ذلك العذاب في يوم طويل، مقداره خمسون ألف سنة، وهو يوم القيامة، فإمّا أن يكون استطالته كناية عن شدته على الكفار، أو لأنه يطول حقيقة، فقد قيل: فيه خمسون موطناً، كل موطن ألف سنة، وما قّدْر ذلك على المؤمن إلاَّ كما بين الظهر والعصر أو أقل، على قدر التخفيف اليوم، وفي حديث أبي سعيد الخدري: قيل: يا رسول الله، ما أطول هذا اليوم؟ فقال عليه السلام: