﴿يُبَصَّرُونَهم﴾ أي: يبصر الأحماءُ قرباءهم، فلا يخفون عنهم، وما يمنعهم من السؤال إلا اشتغالهم بحال أنفسهم. والجملة صفة لحميم، أي: حميماً مبصَّرين، أو: استئناف بياني، كأنه قيل: لعله لا يبصّر به، فقيل: يبصّرونهم ولكن لتشاغلهم لم يتمكنوا من التساؤل عنهم، وإنما جمع الضميران، وهما للحميمين لعموم الحميم، ولأن فعيلاً يقع على الجمع. ﴿يَودُّ المجرمُ﴾ أي: يتمنى الكافر، وقيل: كل مذنب، ﴿لو يفتدي من عذابِ يومئذٍ﴾ أي: العذاب الذي ابتلي به يومئذ. وقرأ نافع والكسائي بفتح الميم على البناء لإضافته إلى غير متمكّن، ﴿ببنيهِ وصاحبتهِ﴾ أي: زوجته ﴿وأخيه﴾، والجملة استئنافية، لبيان أنَّ اشتغال كل واحد منهم بنفسه بلغ إلى حيث يتمنى أن يفتدى بأقرب الناس إليه، و " لو " تمنية، أو مصدرية، أي: يود فداء ببنيه.. الخ ﴿وفَصِيلَتِه﴾ أي: عشيرته الأدنين، التي انفصل عنها، ﴿التي تُؤويه﴾ أي: تضمه في النسب، أو عند الشدائد، ﴿ومَن في الأرض جميعاً﴾ من الخلائقن يتمنى الافتداء بهم، ﴿ثم يُنجيه﴾ الافتداء، وهو عطف على " يفتدي " أي: يود لوم يفتدي ثم لو ينجيه الافتداء، و " ثم " لاستبعاد الإنجاء، يعني: يتمنى لو كان هؤلاء جميعاً تحت يده، وبذلهم في فداء نفسه، ثم ينجيه ذلك، وهيهات.
﴿
كلاًّ﴾
، ردع للمجرم عن الودادة، وتصريح بامتناع الافتداء، ﴿إِنها﴾ أي: النار، المدلول عليها بالعذاب، أو ضمير مبهم، ترجم عنه الخبر، أو ضمير القصّة، ﴿لَظَى﴾ علم للنار، منقول من اللظى ـ بمعنى اللهب، ﴿نزاعة لِلشَّوَى﴾ ؛ خبر بعد خبر، ومَن نصب فعلى الحال المؤكدة، أو على الاختصاص للتهويل. والشَّوى: أطراف الإنسان، كاليدين والرجلين، أو: جمع شواة، وهي جلدة الرأس، تنزعها النارُ نزعاً، فتفرّقها، ثم تعود إلى ما كانت. ﴿تَدعو﴾ أي: تجذبُ، وتخطف، أو: تدعوهم بأسمائهم: يا كافر يا منافق إليَّ، وقيل: تدعو المنافقين بلسان فصيح، ثم تلتقطهم التقاط الحب، أو: تُهْلِك، من قولهم: دعاك الله، أي: أهلكك، أو: لمّا كان مصيره إليها جُعلت كأنها دعته. وقيل: تدعو زبانيتها، ومفعول تدعو: ﴿مَنْ أدبرَ﴾ عن الحق ﴿وتولَّى﴾ ؛ أعرض عن الطاعة، ﴿وجمع﴾ المال ﴿فأوْعى﴾ ؛ جعله في وعاء، وكَنَزَه ولم يؤدِّ حق الله فيه، أو تشاغل به عن الدين، وزهى باقتنائه حرصاً وتأميلاً، عائذاً بالله من ذلك.
الإشارة: سال إلى قلوب أهل الغفلة والإنكار سايل من بحر الهوى، بعذاب واقع نازل بقلوبهم من الجزع والهلع والشكوك والخواطر، أو: سأ سائل عن عذاب واقع لأهل الإنكار، وهو غم الحجاب، وسوء الحساب، ليس له دافع من جهته تعالى؛ لأنه حكم به على أهل البُعد والإنكار. وهو تعالى ذو المعارج، أي: ذو المراقي، تترقى إليه الأرواح والأسرار، من مقام إلى مقام، من مقام الإسلام إلى الإيمان، ومن الإيمان إلى الإحسان، أو: من عالَمٍ إلى عالَمٍ، من عالَم المُلك إلى الملكوت، ومن عالَم الملكوت


الصفحة التالية
Icon