ينصحهم في دين الله، ﴿وأصَرُّوا﴾ ؛ أقاموا على كفرهم ﴿واسْتَكْبَروا استكباراً﴾ أي: تعاظموا عن إجابتي تعاظماً كبيراً. وذِكْرُ المصدر دليل على فرط استكبارهم.
﴿ثم إِني دَعَوتهم جِهاراً﴾ أي: مجاهراً، فيكون حالاً، أو: مصدر " دعوت "، كقعد القرفصاء؛ لأنّ الجهار أحد نوعَي الدعاء. يعني: أظهرت الدعوة في المحافل والمجالس. ﴿ثم إِني أعلنتُ لهم وأَسررتُ لهم إِسراراً﴾ أي: جَمَعْتُ لهم بين دعاء العلانية والسر، فكنتُ أدعو كل مَن لقيت، فرداً وجماعة. والحاصل: أنه دعاهم ليلاً ونهاراً في السر، ثم دعاهم جِهاراً، ثم دعاهم في السر والعلن، وهكذا يفعل المذكِّر في الأمر بالمعروف، يبتدىء بالأهون فالأشد، افتتح بالمناصحة بالسر، فلما لم يُطيعوا ثنّى بالمجاهرة، فلما لم تؤثر ثلّث بالجمع بين الإسرار والإعلان. و " ثم " تدل على تباعد الأحوال؛ لأنَّ الجِهار أغلظ من الإسرار، والجمع بين الأمرين أغلظ من إفراد أحدهما.
﴿
فقلتُ استغفِروا ربكم﴾
بالتوبة من الكفر والمعاصي، فالاستغفار: طلب المغفرة، فإن كان المستغفِر كافراً فهو من الكفر، وإن كان مؤمناً فهو من الذنوب، ﴿إِنه كان غفَّاراً﴾ لم يزل غَفَّار الذنوب لمَن يُنيب إليه، ﴿يُرسل السماءَ﴾ بالمطر ﴿عليكم مِذراراً﴾ ؛ كثير الدُّرور، أي: البروز، و " مِفعال " يستوي فيه المذكر والمؤنث، ﴿ويُمددكم بأموال وبنينَ﴾ أي: يزدكم أمولاً وبنين على ما عندكم، ﴿ويجعل لكم جنات﴾ ؛ بساتين ﴿ويجعل لكم أنهاراً﴾ جارية لمزارعكم وبساتينكم. وكانوا يُحبون الأموال والأولاد، فحرّكوا بهذا على الإيمان، وقيل: لمّا كذّبوه بعد طول تكرار الدعوة حبس الله عنهم القطر، وأعقم نساءهم أربعين سنة، أو سبعين، فوعدهم نوح أنهم إن آمنوا رزقهم الله الخِصب، ورفع عنهم ما كانوا فيه. وعن عمر رضي الله عنه: أنه خرج يستسقي فما زاد على الاستغفار، فمُطر، فقيل له: ما رأيناك استسقيت؟ فقال: لقد استقيت بمجاديح السماء التي لا تخطىء، ثم قرأ الآية. وفي القاموس: ومجاديح السماء: أنواؤها. هـ. وشكى رجلٌ إلى الحسن الجدوبة، فقال له: استغفِر الله، وشكى إليه آخر الفقر، وآخر قلة النسل، وآخر قلة غلة أرضه، فأمرهم كلّهم بالاستغفار، فقيل له في ذلك، فقال: ما قلت من عندي شيئاً، ثم تلا الآية.
﴿ما لكم لا ترجون لله وَقَاراً﴾ أي: لا تخافون لله عظمةً. قال الأخفش: الرجاء هنا: الخوف؛ لأنّ مع الرجاء طرفاً من الخوف واليأس. والوقار: العظمة. وقال أبو السعود: الرجاء هنا بمعنى الاعتقاد. وجملة (ترجون) : حال من ضمير المخاطبين، و " لله " متعلق بمضمر، حال من (وقارا)، ولو تأخر لكان صفة له، أي: أيُّ سبب حصل لكم حال كونكم غير معتقدين لله تعالى عظمة موجبة للتعظيم بالإيمان والطاعة. هـ. أو: لا تأملون له توقيراً، أي: تعظيماً، والمعنى: ما لكم لا تكونون على حال تأملون فيه تعظيم الله إياكم في دار الثواب، ﴿وقد خَلَقَكم أطواراً﴾ في موضع الحال، أي: ما لكم لا تؤمنون بالله، والحال أنكم على حال منافية لِما أنتم عليه بالكلية، وهي أنكم تعلمون أنه


الصفحة التالية
Icon