﴿وَيَعُوقَ﴾ ؛ صنم على صورة فرس، وهما لا ينصرفان للتعريف ووزن الفعل إن كانا عربيين، والتعريف والعُجمة إن كانا عجميين، ﴿ونَسْراً﴾ ؛ صنم على صورة النسر، وخصُّوا بالذكر مع اندراجهم فيما سبق؛ لأنها كانت أكبر أصنامهم وأعظمها عندهم، وقد انتقلت هذه الأصنام عنهم إلى العرب، فكان وَدّ لكلب، وسُواع لهمدان، ويغوث لمَذْحِج، ويَعُوق لمُراد، ونَسْر لحمير. وقيل: هي أسماء رجال صالحين، كان الناس يقتدون بهم، بين آدم ونوح عليهما السلام، وقيل: أولاد آدم، فلما ماتوا، قال إبليس لمَن بعدهم: لو صوّرتم صورهم، فكنتم تنظرون إليهم، وتتبرّكون بهم، ففعلوا، فلمّا مات أولئك، قال لمَن بعدهم: إنهم كانوا يعبدونهم، فعبدوهم.
وقال ابن عباس رضي الله عنه: أول ما عُبِدَ من الأصنام في زمن مَهْلائِل بن غَيْنَان بن أنوش بن شيت بن آدم عليه السلام، وذلك لمّا مات آدم جعله بنو شيت في مغارة بأرض الهند، في جبل سرنديب، لموضع يسمى نوره، وهو أخصب جبل في الأرض، ثم كانوا يزورونه، ويترحّمون عليه، ويُعطمونه، فلما قَتَل قابيلُ أخاه هابيل نفوه من الأرض، فكان بمعزل عنهم هو وبنوه، فجاء الشيطانُ في صورة رجل ناصح، فقال لهم: إنَّ بني شيت يتبرّكون بآدم، وأنتم لا تلحقونه، فانحتوا صورته، وتبرَّكوا بها، ففعلوا، ثم كان لشيت ولد صالح، اسمه يغوث، فتُوفي، فكانوا يتبرّكون بقبره، فنحتَ أولادُ قابيل على صورة يغوث صورة أخرى، ثم يعوق، ثم ود، ثم سواع، ثم نسر، كلهم من أولاد شيت قوم صالحون، كانوا يتبرّكون بهم في المحْيا والممات، ولم يكن لأولاد قابيل سبيل إليهم، فنحتوا صورهم، وصاروا يُعظِّمونها، ويتبرّكون بها مثلهم، فلما طال بهم الزمان صاروا يعبدونهم دون الله، إلى أن بعث الله نوح عليه السلام فنهاهم عنها، فلم ينتهوا، فلما أهلك الله الأرض ومَن عليها بالطوفان، قذف الطوفانُ تلك الأصنام إلى أرض جُدة وما والاها من مكة، وأخفتها الرمال هناك. قال الكلبي: وكان عَمرو بن لُحي كاهناً، يُكنّى أبا تمامة، وكان يتراءى له الجن، فتراءى له يوماً جنِّي، وقال له: عَجِّل أبا تمامة بالسعد والسلامة إلى صف جدة، واستخرج ما فيها من الأصنام، وأوردها ماء تهامة، ولا تسأم ولا تهب، وادْع العرب إلى عبادتها تُجَب، فأتى عمرُو بن لُحي ساحلَ جدة، حيث وصف له الجني، واستخرج الأصنام في خِفية عنهم، وأرودها ماء تهامة، فلما حضر الحج، واجتمع الناس إلى الموسم، دعا الناس إلى عبادتها، فأجابته العرب قاطبة، وأول مَ أجابته بنو عوف بن عُزرة، فدفع لهم ودًّا، فنصبوه بواد القرى بدومة الجندل، ولم يزل عندهم إلى الإسلام، فكسره خالد بن الوليد، لَمَّا بعثه الرسولُ ﷺ في غزوة
تبوك لهدم دومة الجندل، فحالت بينه وبينها العرب، فقاتلهم وكسَّر صنمهم. قال: الكلبي: قلت لمالك بن الحارث: صف