﴿فإنه يَسْلُكُ﴾ ؛ يدخل ﴿مِن بين يديه﴾ أي: الرسول، ﴿ومِن خلفه﴾ عند إظهاره على غيبه، ﴿رَصَداً﴾ ؛ حفظة وحَرَساً من الملائكة يحفظونه من تعرُّض الشيطان، لما أظهره عليه من الغيوب، ويعصمونه من وساوسهم، وتخاليطهم حتى يُبلغ الوحي، ﴿ليعلم﴾ اللهُ عِلْمَ شهادة ﴿أن قد أَبلغوا﴾ أي: الرسل ﴿رسالات ربهم﴾ كاملة، بلا زيادة ولا نقصان، إلى المرسَل إليهم، أي: ليعلم ذلك على ظهور، وقد كان يعلم ذلك قبل وجوده. ووحّد الضمير في " يديه وخلفه "؛ مراعاة للفظ (مَن)، وجمع في (أَبلَغوا) لمعناه، و " أن " مخففة من الثقيلة، واسمها: ضمير الشأن، والجملة خبرها، ﴿وأحاط﴾ الله تعالى ﴿بما لديهم﴾ أي: بما عند الرسل من العلم ﴿وأحْصَى كُلَّ شيءٍ عَدَداً﴾، من القطر، والرمل، وورق الأشجار، وزبد البحر، فكيف لا يحيط بما عند الرسل من وحيه وكلامه؟ ! و " عدداً ": حال، أي: علم كلّ شيءٍ معدوداً محصوراً، أو مصدر، أي: أحصاه إحصاءً.
الإشارة: ومَن يعص اللهَ ورسولَه، أو خليفته الداعي إلى الله بطريق التربية النبوية، فإنَّ له نار القطيعة، خالدين فيها أبداً، وقد كانوا في حال حياتهم يستظهرون عليه بالدعاوى الفارغة، وكثرة الأتباع، حتى إِذا رَأوا ما يُوعدون من أمارات الموت، فسيعلمون مَن أضعف ناصرا وأقل عددا، قل: إن أدري أقريب ما تُوعدون من الموت، أم يجعل له ربي أمداً، ولا بد أن ينتهي، ويقع الرحيل إلى دار تنكشف فيها السرائر، ويُفضح فيها الموعود. عالم الغيب، أي: يعلم ما غاب عن الحس من أسرار ذاته وأنوار ملكوته، أي: يعلم أسرار المعاني القائمة بالأواني، فلا يظهر على غيبه أحدا، أي: لا يكشف عن اسرار ذاته في دار الدنيا إلاّ لمَن ارتضى من رسول، أو نائبه، وهو العارف الحقيقي، فإنه يسلك مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خلفه رَصَداً، أي: يحفظه من جميع القواطع، من كل جهاته، حتى يوصله إلى حضرة أسرار ذاته، ليظهر أن قد أبلغوا رسالات ربهم، ودعوا الناس إلى معرفة ذاته، وقد أحاط تعالى بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً. وبالله التوفيق، وصلى الله على سيدنا محمد وآله.