﴿أو انقُصْ منه﴾ ؛ من النصف نقصاً ﴿قليلاً﴾ إلى الثلث، ﴿أو زِدْ عليه﴾، على النصف إلى الثلثين، فالمعنى: تخييره ﷺ بين أن يقوم نصفَه أو أقلّ منه أو أكثر. وقيل: " نصفه " بدل من " الليل "، و " إلاّ قليلاً " مستثنى من النصف، فالضمير في " منه " و " عليه " للنصف، والمعنى: التخيير بين أمرين، بين أن يقوم أقل من نصف على البت، وبين أن يختار أحد الأمرين، وهما النقصان من النصف، والزيادة عليه، والذي يليق بجزالة التنزيل هو الأول. أنظر أبا السعود.
والجمهور: أن الأمر هنا للندب، وقيل: كان فرضاً وقت نزول الآية، وقيل: كان فرضاً على النبي ﷺ خاصة، وبقي كذلك حتى تُوفي.
﴿وَرَتِّلِ القرآن﴾ في أثناء قيامك بالليل، أي: اقرأه على تُؤدة وتبيين حروفٍ ترتيلاً بليغاً بحيث يتمكن السامع مِن عَدٍّها، من قولهم: ثغر رَتَل: إذا كان مفلّجاّ. وترتيلُ القرأن واجب، فمَن لم يرتِّله فهو آثم إذا أخلَّ بشيء من أداء التجويد، كترك الإشباع أو غيره. والمقصود من الترتيل: تدبُّر المعاني، وإجالة الفكر في أسرار القرآن. قال في الإحياء: واعلم أنّ الترتيل أشد تأثيراً في القلب من الهذرمة والاستعجال، والمقصود من القرآن: التفكُّر، والترتيلُ مُعين عليه. وسيأتي في الإشارة تمامه إن شاء الله.
﴿إِنَّا سنُلْقِي﴾ أي: سنُنزل ﴿عليك قولاً ثقيلاً﴾ وهو القرآن العظيم، المنطوي على تكاليف شاقة ثقيلة على المكلّفين، أو: ثقيلاً على المنافقين، أو: ثقيلاً لرزانة لفظه، ومتانة معناه، أو: ثقيلاً على المتأمِّل؛ لافتقاره إلى مزيد تأمُّل وتفرُّغ للسر، وتجريدٍ للنظر، أو ثقيلاً في الميزان، أو ثقيلاً تلقيه من جبريل، فقد كان عليه السلام ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البردِ، فَيَفْصِم عنه، وإنّ جبينه لَيتَفَصَّدُ عَرَقاً.
﴿إِن ناشئةَ الليلِ﴾ أي: قيام الليل، مصدر من " نشأ " إذا قام ونهض، على وزن فاعلة، كالعافية العاقبة، أو: إنَّ النفس التي تنشأ مِن مضجعها إلى العبادة، أي: تنهض، أو: إن العبادة التي تنشأ بالليل، أي: تحدث، أو: ساعات الليل؛ لأنها تنشأ ساعة فساعة، وكان زين العابدين يُصلّي بين العشاءين ويقول: هذه ناشئة الليل. قلت: وهذا وقت كان السلف يحرصون على عمارته بأنواع العبادات؛ لأنه يمحوا ظلمة النهار التي تُكتسب من شغل الدنيا. ﴿هي أشَدُّ وَطْأً﴾ أي: موافقة للقلب. وقرأ البصري والشامي (وِطاء) أي: وِفاقاً، أي: يوافق فيها القلبُ اللسانَ، وعن الحسن: أشدّ موافقة بين السر والعلانية؛ لانقطاع رؤية الخلائق وغيرها، أو: أشدّ ثباتَ قَدَم وكلفة، أي: أثقل على المصلي من صلاة النهار؛ لطرد النوم في وقته، من قوله عليه السلام: " اللهم اشْدُدْ وطْأَتَك على مُضَرَ " ﴿وأقْوَمُ قِيلاً﴾ أي: أصْوب مقالاً، وبه قرأ أنس، فقيل له: إنما هو


الصفحة التالية
Icon