ومهجة المحبين وتغير بشريته بالكآبة والحسرة، والتأسُّف عن التخلُّف عن مقام المقربين، عليها، أي: على النار المحيطة بهم، تسعة عشر حجاباً؛ حجاب المعاصي القلبية والقالبية، ثم حجاب الغفلة، ثم حُب الدنيا، ثم حب الهوى، ثم الحسد، ثم الكفر، ثم الحقد، ثم الغضب، ثم حب الظهور، ثم حب الجاه، ثم الطمع، ثم الحرص، ثم خوف الفقر، ثم هَم الزرق، ثم خوف الخلق، ثم التدبير والاختيار، ثم العَجَلة، ثم الرعونة، ثم حجاب الحسد والوهم. والله تعالى أعلم.
يقول الحق جلّ جلاله: ﴿وما جعلنا أصحابَ النار﴾ أي: خزنتها، المدبّرين لها، القائمين بتعذيب أهلها، ﴿إِلاَّ ملائكةً﴾ لأنهم خلاف جنس المعذّبين، فلا تأخذهم الرأفة والرقّة، ولأنهم أشد الخلقِ بأساً، فللواحد منهم قوة الثقلين، ونَعَتهم ﷺ فقال: " كَأَنَّ أعْيُنَهُمُ البَرقُ، وكأنَّ أفْواهَهم الصَّيَاصِي، يَجرُّون أشعَارَهم، لأحدِهم قوةُ الثَّقَلَيْنِ، يَسوقُ أحدُهُم الأُمَّةَ، وعَلَى رَقَبَتِهِ جَبَلٌ، فَيَرْمِيهم في النَّارِ، ويَرْمي الجبلَ عَلَيْهم " وفي رواية: " بيد كُلِّ واحدٍ منهم مِرْزَبَّة مِن حَديدٍ " وفي رواية عن كعب: " مَعَ كُلِّ واحد مِنْهم عَمودٌ وشعبتَان يَدْفع به الدَّفَع يصرع به في النَّارٍ سَبعمَائَة أَلْفٍ، وبَيْن مِنْكَبَي الخازِنِ مِن خزَنَتِها مسيرةُ مَائةِ سَنَة " وفي حديث آخر: " ما بَيْن منكبي أَحَدهِم كَما بَيْن المشرقِ والمغرب، وليس في قلوبِهِمْ رَحْمَةٌ، يَضْربُ أحدُهم الرجلَ ضَربةً، فيتْركه طَحيناً من لَدُن قَرْنِه إلى قَدَمِهِ " وعن كعب: " يؤمر بالرجل إلى النار، فيبتدره مائة ألف ملك " قال القرطبي: المراد بقوله: ﴿عليها تسعة عشر﴾ رؤساؤهم، وأما جملة الخزنة فلا يَعلم عددهم إلا الله تعالى. انظر البدور السافرة.
رُوي أنه لمّا نزل قوله تعالى: ﴿عليها تسعة عشر﴾ قال أبو جهل: أيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا بواحد منهم، وأنتم ألدَّهم، أي: الشجعان؟ فقال أبو الأشد بن كلدة الجمحي وكان شديد البطش: أنا أكفيكم سبعة عشر، اكفوني أنتم اثنين، فنزلت الآية، أي: وما جعلناهم رجالاً من جنسكم يُطاقون.