الله بمحض الفضل، فهم في جنات المعارف يتساءلون عن الغافلين: ما سلككم في سقر السقوط من درجة القُرب والوصال؟ قالوا: لم نك من المُصلِّين الصلاة الدائمة، ولم نك نُطعم المسكين، بل كنا بُخلاء بأموالنا وأنفسنا، وكنا نخوض في أودية الدنيا مع الخائفين، وكنا نُكذّب بيوم الدين؛ لأنَّ أفعالهم كانت فعل مَن لا يُصدّق بيوم الحساب، حتى أتانا اليقين بعد الموت، فندمنا، فلم ينفع الندم وقد زلّت القَدَم، فما تنفع فيهم شفاعة الشافعين، حيث ماتوا غافلين؛ لأنَّ الشفاعة لا تقع في مقام القُرب والاصطفاء، فمَن مات بعيداً بسبب الغفلة لا يصير قريباً، ولو شفع فيه ألف نبي وألف وَلِيّ، إذ القُرب على قدر الكشف، وكشف الحجاب عن الروح إنما يحصل في هذه الدار، لقوله عليه السلام: " يموت المرء على ما عاش عليه، ويُبعث على ما مات عليه " وإنما تقع الشفاعة في النجاة، أو في الدرجة الحسية، والله تعالى أعلم. فما لهم، أي: لأهل الإعراض عن المذكِّر، عن التذكرة منه مُعرضين، كأنهم حُمر الوحش فرّت من قسورة، وتشبيههم بالحُمر في البلادة والجهل، وكل مَن طلب الكرامة من الأولياء فهو كاذب في الطلب، إذ لو صدق في الطلب لأراه الله الكرامات على أيديهم كالسحاب، كلاَّ بل لا يخافون الآخرة، ولو خافوها وجعلوها نُصب أعينهم لما توقّفوا على كرامة ولا معجزة، والأمر كله بيد الله، هو أهل التقوى وأهل المغفرة. وبالله التوفيق، وصلى الله سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.


الصفحة التالية
Icon