الثعلبي من كلام البراء: قال أبو السعود: ولا يخفى ضعفه؛ لأنِّ هذا القدر من اللوم لا يكون مدراراً للإعظام بالإقسام، وإن صدَر عن النفس المؤمنة المحسنة، فكيف من الكافرة المندرجة تحت الجنس، وقيل: بنفس آدم عليه السلام، فإنها لا تزال تتلوَّم على فعلها الذي خرجت به من الجنة.
وجواب القسم: لتُبعثنّ، دليله: ﴿أيَحْسَبُ الإِنسانُ﴾ أي: الكافر المنكرِ للبعث ﴿ألَّن نجمعَ عِظامه﴾ بعد تفرّقها ورجوعها عظاماً رفاتاً مختلطاً بالتراب، أو: نسفَتْها الرياح وطيَّرتها في أقطار الأرض، أو: ألقتها في البحار. وقيل: إنَّ عَدِيّ بن ربيعة، خَتنَ الأخنس بن شريق، وهما اللذان قال فيهما النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم اكفني جارَيْ السوء، عَدياً والأخنس " قال ـ عَدِيّ ـ: يا محمد، حدِّثنا عن يوم القيامة متى يكون، وكيف أمرها وحالها؟ فأخبره عليه السلام، فقال: يا محمد؛ لو عاينتُ ذلك لم أصدقك، ولم أُومِنْ بك، أَوَيجمعُ الله هذه العظام؟ فنزلت. ﴿بلى﴾ أي: نجمعها حال كوننا ﴿قادرين على أن نُسَوّي بنانه﴾ أي: أصابعه كما كانت في الدنيا بلا انفصال ولا تفاوت مع صغرها، فكيف بكبار العِظام؟ ! ﴿بل يريد الإِنسانُ لِيَفجُر أمامه﴾ : عطف على ﴿أيحسب﴾ إمّا على أنه استفهام توبيخي، أضرب عن التوبيخ بذلك إلى التوبيخ بهذا، أو: على أنه إيجاب انتقل إليه عن الاستفهام، أي: بل يريد ليدوم على فجوره فيما بين يديه من الأوقات، وما يستقبله من الزمان، لا يرعوي عنه. قال القشيري: ﴿لِيفجُر أمامه﴾ أي: يعزم على أنه يستكثر من معاصيه في مستأنف وقته، ولا يحلّ عقدةَ الإصرار من قلبه، فلا تصحّ توبتُه؛ لأنّ التوبة من شرطها: العزم على أن لا يعودَ إلى مثل ما عَمِل، فإذا كان استحلى الزلّة في قلبه، وتفكّر في الرجوع إلى مثله فلا تصح ندامتُه. هـ. وقيل: ﴿ليفجُرَ أَمامَه﴾ أي: يكفر بما قُدامه، ويدل على هذا قوله: ﴿يسأل أيَّانَ يومُ القيامةِ﴾ أي: متى يكون؟ استبعاداً واستهزاءً.
﴿فإِذا بَرِقَ البصرُ﴾ أي: تحيَّر، من: برق الرجل: إذا نظر إلى البرق فدهش بصره، وقرأ نافع بفتح الراء، وهي لغة، أو من البريق، بمعنى لمع من شدة شخوصه، ﴿وخَسَفَ القمرُ﴾ ؛ ذهب ضوؤه أو غاب، من قوله: ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ﴾ [القصص: ٨١] وقرىء: خُسف، بضم الخاء. ﴿وجُمعَ الشمسُ والقمرُ﴾ أي: جُمع بينهما، ثم يُكوّران ويُقذفان في النار، أو يُجمعان أسودين مكورين، كأنهما ثوران عقِيران. وفي قراءة عبد الله: " وجمع بين الشمس والقمر ". وقال عطاء بن يسار: يجمع بينهما يوم القيامة، ثم يقذفان في البحر، فيكونان نار الله الكبرى، أو: جمع بينهما في الطلوع من المغرب. ﴿يقول الإِنسانُ يومَئذٍ﴾ أي: حين تقع هذه الأمور العظام: ﴿أين المفَرُّ﴾ أي: الفرار من النار، يائساً منه، والمراد بالإنسان: الكافر، أو: الجنس، لشدة الهول. قال القشيري: وذلك حين تُقاد جهنم بسبعين ألف سلسلة، كل سلسلة بيد سبعين ألف مَلَك، فيقول الإنسان: أين المفر؟ فيقال:


الصفحة التالية
Icon