ذلك قادر على إحياء الموتى وجمع عظامها، وتسوية بنانها. ونَقَل الطيبي عن الإمام الفخر: أنه تعالى لمّا أخبر عن الكفار أنهم يُحبون العاجلة، وذلك قوله: ﴿بل يُريد الإنسان لِيفجُر أَمامه﴾ بيَّن أنَّ العَجَلة مذمومة، ولو فيما هو أهم الأمور وأصل الدين، بقوله: ﴿لا تُحرِّكْ به لسانَك﴾ فاعترض به، ليؤكد التوبيخ على حب العاجلة بالطريق الأولى. هـ. وقيل: اعترض نزولُها في وسطِ السورة قبل أن تكمل، فوُضعت في ذلك المحل، كمَن كان يسرد كتاباً ثم جاء سائل يسأل عن نازلةٍ، فيطوي الكتابَ حتى يُجيبه، ثم يرجع إلى تمام سرده. انظر الإتقان.
يقول الحق جلّ جلاله: ﴿لا تُحرِّكْ به﴾ ؛ بالقرآن ﴿لسانَكَ لِتعجَلَ به﴾، وقد كان عليه الصلاة والسلام يأخذ في القراءة قبل فراغ جبريل، كراهة أن يتفلّت منه، فقيل له: لا تُحرك لسانك بقراءة الوحي، ما دام جبريل يقرأ، ﴿لِتعجَلَ به﴾ ؛ لتأخذه على عجلة، لئلا يتفلّت منك، ثم ضَمِنَه له بقوله: ﴿إِنَّ علينا جَمْعَه﴾ في صدرك، ﴿وقرآنه﴾ ؛ وإثبات قراءته في لسانك، فالمراد بالقرآن هنا: القراءة، وهذا كقوله: ﴿وَلآ تَعْجَلْ بِالْقُرْءَانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ﴾ [طه: ١١٤]، ﴿فإِذا قرأناه﴾ على لسان جبريل ﴿فاتَّبعْ قرآنه﴾ أي: قراءته، ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بيانَهُ﴾ إذا أشكل عليك شيء مِن معانيه وأحكامه.
الإشارة: لا تُحرِّكْ بالواردات الإلهية لسانك لِتَعْجَل به حين الإلقاء، بل تمهّل في إلقائه ليُفهم عنك، إنَّ علينا جمعه وقرآنه، أي: حفظه وقراءته، فإذا قرأناه على لسانك في حال الفيض فاتبع قرآنه، ثُمَّ إنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ. وفي الحِكم: " الحقائق تَرِدُ في حال التجلي جملة، وبعد الوعي يكون البيان، ﴿فإذا قرأناه فاتبعْ قرآنه إنَّ علينا بيانه﴾ ". ولا شك أنَّ الواردات في حال الفيض تبرز مجملةً، لا يقدر على حصرها ولا تَفَهُّمِها، فإذا فَرَغَ منها قولاً وكتابة فتَدَبرها وجدها صحيحةَ المعنى، واضحةَ المبنى، لا نقص فيها ولا خلل، لأنها من وحي الإلهام، وكان بعض المشايخ يقول لأصحابه: إني لأستفيد مني كما تستفيدون أنتم، وكان الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه إذا فاض بالمواهب يقول: هلاَّ مَن يكتب عنا هذه الأسرار. إلى غير ذلك مما هو مُدوَّن عند أهل الفن. والله تعالى أعلم.