الضمير، تهويل وتفظيع لشأنه، ﴿ويل يومئذٍ للمكذِّبين﴾ بذلك اليوم، أي: ويل لهم في ذلك اليوم الهائل، و " ويل " أصله: مصدر منصوب بفعل سدّ مسده، لكن عدل به إلى الرفع على الابتداء، للدلالة على ثبات الهلاك ودوامه للمدعوّ عليه، و " يومئذ " ظرف له، و " للمكذِّبين " خبره، أي: الويل في ذلك اليوم حاصل لهم. قال ابن عطية: وأمّا تكرير قوله تعالى: ﴿ويل يومئذ للمكذِّبين﴾ في هذه السورة، فقيل: لمعنى التأكيد فقط، وقيل: بل في كل آية منها ما يقتضي التصديق، فجاء الوعيد على التكذيب بذلك. هـ. وهذا الآخر هو الصواب، وسيأتي التنبيه عليه في كل آية.
الإشارة: إذا أشرقت شموس العرفان، وبدت أسرارُ الذات للعيان، انطمس نور نجوم علم الفروقات الكونية، والفروعات الوهمية، ولم يبقَ إلاّ علم الوحدة الذاتية ومعنى انطماسها: الغيبة عنها والفناء عنها بما هو أمتع وأحلى منها، من شهود الذات الأقدس، والاستغراق في شهود أنوارها وأسرارها. وإذا السماء، أي: سماء الأرواح فُرجت عنها ظُلمة الحس، فظهرت للعيان. واعلم أنَّ أرض الأشباح وسماء الأرواح محلهما واحد، وإنما تختلف باختلاف النظرة، فَمَن نَظَر الأشياءَ بعين الفرق في محل الحدوث تُسمى في حقه عالم الأشباح، ومَن رآها بعين الجمع في مقام القِدَم، تسمى في حقه عالم الأرواح، والمظهر واحد. وإذا الجبال؛ جبال الوهم والخيالات، أو: جبال العقل الأصغر، نُسفت، أي: تلاشت وذهبت، وإذا الرسل أي: الدعاة إلى الله من أهل التربية، أُقتت: عُين لها وقت وقوع ذلك، وهو يوم الفتح الأكبر بالاستشراف على الفناء في الذات، وأي يوم ذلك، وهو يوم لقاء العبد ربه في دار الدنيا، وهو يوم الفصل، يفصل فيه بين الخصوص والعموم، بين المقربين وأهل اليمين، بين أهل الشهود والعيان، وأهل الدليل والبرهان، ويل يومئذ للمكذِّبين بطريق هذا السر العظيم.
يقول الحق جلّ جلاله: ﴿ألم نُهلِكِ الأولينَ﴾ كقوم نوح وعاد وثمود، لتكذيبهم بذلك اليوم، وقُرىءَ بفتح النون، من: هلكه بمعنى أهلكه، ﴿ثم نُتبِعُهم الآخِرِين﴾ أي: ثم نفعل بأمثالهم من الآخرين مثل ما فعلنا بهم، لأنهم كذّبوا مثل تكذيبهم. و " ثم " وما بعده: استئناف، تهديد لأهل مكة، وقُرىءَ بالجزم عطف على " نُهلك " فيكون المراد بالآخرين المتأخرين هلاكاً من المذكورين، كقوم لوط وشعيب وموسى عليه السلام،


الصفحة التالية
Icon