ويُصرون على ماهم عليه من الاستكبار. وقيل: وإذا أُمروا بالصلاة لا يفعلون، إذ رُوي أنها نزلت حين أمر رسولُ الله ﷺ ثقيفاً بالصلاة، فقالوا: لا ننحني، فإنها خسّة علينا، فقال صلى الله عليه وسلم: " لا خير في دين ليس فيه ركوع ولا سجود " وقيل: هو يوم القيامة، حين يُدْعَوْن إلى السجود فلا يستطيعون.
﴿
ويل يومئذ للمكذِّبين﴾ بأمره ونهيه. وفيه دلالة على أنَّ الكفار مخاطبون بالفروع. ﴿فبأيِّ حديث بعده﴾ أي: بعد القرآن الناطق بأحاديث الدارين، وأخبار النشأتين، على نمط بديع، ولفظ بليغ مُعجِز، مؤسس على حُجج قاطعة، وأنوار ساطعة، فإذا لم يؤمنوا به ﴿فبأي حديثٍ بعده يؤمنون﴾ أي: إن لم يؤمنوا بالقرآن، مع أنه آية مبصرة، ومعجزة باهرة، من بين الكتب السماوية، فبأي كتاب بعده يؤمنون؟ فينبغي للقارىء أن يقول: آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.
الإشارة: إنَّ المتقين ما سوى الله في ظلال التقريب، وبرد التسليم، ونسيم الوصال، فما أطيب نسيمهم، وما ألذ مشربهم، كما قال الشاعر:
يا نسيمَ القُرب ما أطيبكا
ذاق طعم الأُنس مَن حَلَّ بكا
أيُّ عيشٍ لأناس قُرِّبوا
قد سُقوا بالقدس من مشربكا
﴿وعيون﴾ أي: مناهل الشرب من رحيق الوجدان، وفواكه النظر، مما يشتهون، أي: وقت يشتهون، كُلوا من رزق أرواحكم وأسراركم، وهو الترقي في معاريج العرفان، وأشربوا من رحيق أذواقكم، هنيئاً بما كنتم تعملون أيام مجاهدتكم، إنَّا كذلك نجزي المحسنين المتقين علومَهم وأعمالَهم. ويل يومئذ للمكذِّبين بطريق هذا المقام الرفيع، يُقال لهم: كُلوا وتمتّعوا وانهمكوا في الشهوات أياماً قلائل، إنكم مجرمون، وسيندم المفرّط إذا حان وقت الحصاد. وإذا قيل لهم: اخضعوا لمَن يُربيكم ويُرقيكم إلى تلك المراتب العلية المتقدمة للمتقين، لا يخضعون، فالويل لهم على تكذيبهم، فبأي حديث وأيّ طريق بعد هذا يؤمنون، وأيّ طريق يسلكون، وبأيّ كتاب يهتدون؟ إن حادوا عن طريق السلوك على أيدي الرجال، فماذا بعد الحق إلاّ الضلال. وبالله التوفيق، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه، وسلم.