﴿لا يسمعون فيها﴾ ؛ في الجنة، حال من ضمير خبر " إن "، ﴿لَغْواً﴾ ؛ باطلاً، ﴿ولا كِذَّاباً﴾ أي: لا يكذّب بعضهم بعضاً، وقرأ الكسائي بالتخفيف، من المكاذبة، أي: لا يُكاذبه أحد، ﴿جزاءً من ربك﴾ : مصدر مؤكد منصوب، بمعنى: إنَّ للمتقين مفازاً، فإنه في قوة أن يقال: جازى المتقين بمفاز جزاء كائناً من ربك. والتعرُّض لعنوان الربوبية، المنبئة عن التبليغ إلى الكمال شيئاً فشيئاً مع الإضافة إلى ضميره ﷺ مزيد تشريف له عليه الصلاة والسلام، ﴿عَطاءً﴾ أي: تفضُّلاً منه تعالى وإحساناً، إذ لا يجب عليه شيء، وهو بدل مِن " جزاء "، ﴿حِساباً﴾ أي: مُحسِباً، أي: كافياً، على أنه مصدر أقيم مقام الوصف، أو بولغ فيه، من: أحسبه إذا كفاه حتى قال حسبي، أو: على حسب أعمالهم.
﴿ربِّ السماواتِ والأرضِ وما بينهما﴾ بدل من " ربك "، ﴿الرحمن﴾ : صفة له، أو للأول، فمَن جَرَّهما فبدل من " ربك ". ومَن رفعهما فـ " رب " خبر متبدأ محذوف، أو متبدأ خبره " الرحمن "، أو " الرحمن " صفة، و " لا يملكون " خبر، أو هما خبران، وأيًّا ما كان ففي ذكر ربوبيته تعالى للكل ورحمته الواسعة إشعار بمدار الجزاء المذكور، ﴿لا يملكون﴾ أي: أهل السماوات والأرض ﴿منه خِطاباً﴾ ؛ معذرة أو شفاعة أو غيرهما إلاَّ بإذنه، وهو استئناف مقرر لما أفادته الربوبية العامة، من غاية العظمة والكبرياء، واستقلاله تعالى بما ذكر من الجزاء والعطاء، من غير أن يكون لأحد قدرة عليه، والتنكير في للتقليل والنوعية. قال القشيري: كيف يكون للمكوَّن المخلوق المسكين مُكْنةٌ أن يملك منه خِطاباً، أو يتنفَّسَ بدونه نفساً؟ كلاَّ، بل هو الله الواحدُ الجبّار. ثم قال: إنما تظهر الهيبةُ على العموم لأهل الجمع في ذلك اليوم. وأمّا الخصوص فهم أبداً بمشهدِ العز بنعت الهيبة. هـ.
﴿
يومَ يقومَ الرُّوحُ﴾ ؛ جبريل عليه السلام عند الجمهور، وقيل: مَلكٌ عظيم، ما خلق الله تعالى بعد العرش أعظم منه، يكون وحده صفًّا، ﴿والملائكةُ صفاً﴾ : حال، أي: مصْطفين ﴿لا يتكلمون﴾ أي: الخلائق خوفاً، ﴿إِلاَّ مَن أّذِنَ له الرحمنُ﴾ في الكلام أو الشفاعة، ﴿وقال صَواباً﴾ أي: حقًّا. قال الطيبي عن الإمام: فإن قيل: لَمَّا أذن له الرحمن في التكلم عَلِمَ أنه حق وصواب، فما الفائدة في قوله: ﴿وقا صواباً﴾ ؟ فالجواب من وجهين، أحدهما: أنَّ التقدير: لا ينطقون إلاَّ بعد ورود الإذن والصواب، ثم يجتهدون في ألاَّ ينطقوا إلاَّ بالحق والصواب، وهذا مبالغة في وصفهم بالطاعة. وثانيهما: أنَّ التقدير: لا يتكلمون إلاَّ في محضر إذن الرحمن في شفاعته والمشفوع له ممن قال صواباً، وهو قول لا إله إلا الله. هـ. قلت: والمعنى: أن يُراد بالصواب: استعمال الأدب في الخطاب، بمراعاة التعظيم، كما هو شأن الكلام مع الملوك.
ثم قال تعالى: ﴿ذلك اليومُ الحق﴾ أي: الثابت المحقَّق لا محالة، من غير صارف يلويه، ولا عاطف يثنيه. والإشارة إلى يوم قيامهم على الوجه المذكور، وما فيه من معنى البُعد مع قرب العهد بالمشار إليه للإيذان بعلو درجته، وبُعد منزلته في الهول والفخامة.