وقيل: كان رسولُ الله ﷺ لم يزل يذكر الساعة ويسأل عنها حتى نزلت، فكفّ، فهو على هذا تعجيب من كثرة ذكره لها، أي: أنت في شُغل وأي شغل أنت من الاهتمام بالسؤال عنها.
وقالت عائشة رضي الله عنها: كان ﷺ يسأل عن الساعة كثيراً، فما نزلت هذه الآية انتهى عن ذلك. ولا يرده قوله: ﴿كَأَنَّكَ حَفِيُّ عَنْهَا﴾ [الأعراف: ١٨٧] أي: إنهم يزعمون أنك مُبالغ في السؤال عنها حتى علمتها ولست كما يزعمون، لأنّا نقول هذه الآية نزلت قبل تلك، وأنه كان أولاً يسأل عنها حتى نُهي بهذه الآية فانتهى، كما ذكر في الحديث المذكور، فنزلت تلك مخبرة عن حاله بعد انتهائه. والله أعلم. قال القشيري: من أين لك علمها ولم نعلمك بذلك، وقيل: يوقف على قوله: " فِيمَ " أي: هذا السؤال الذي يسألونك فيم، أي: في أي شيء هو، فيكون إنكاراً لسؤالهم، ثم ابتدأ: " مِن ذكراها " أي: إن ظهورك وبعثك وأنت خاتم النبيين من جملة ذكراها، أي: أشراطها وعلامتها، ومؤذن بقيامها، فلا حاجة لسؤالهم عنها، ويرده: عدم الإتيان بهاء السكت، ويجاب: بأنه ليس بلازم، وإنما تَلزمُ فيما جرّ بإضافة اسم، لبقائه على حرف واحد، كما هو مقرر في محله، مع عدم ثبوته في المصحف.
ثم أومأ تعالى إلى أنه مختص بحقيقة علمها، فقال: ﴿إِلى ربك منتهاها﴾ ؛ منتهى علمها متى يكون، لا يعلمها غيره، ﴿إِنما أَنتَ منذرُ مَن يخشاها﴾ أي: لم تُبعث لتُعلمهم وقت الساعة، وإنما بُعثت لتُخوّف مِن أهوالها مَن يخاف شدائدها، ﴿كأنهم يوم يرونها﴾ أي: الساعة ﴿لم يَلبثوا﴾ في الدنيا ﴿إِلاَّ عشيةً أو ضُحاها﴾ أي: ضحى العشية، استقلُّوا مدّة لبثهم في الدنيا لما عاينوا من الهول، كقوله: ﴿لَمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ﴾ [الأحقاف: ٣٥] وإنما صحّ إضافة الضحى إلى العشية للملابسة، لاجتماعهما في نهارٍ واحد، والمراد: أن مدة لبثهم لم تبلغ يوماً كاملاً، ولكن أحد طرفي النهار عشية يومٍ واحدٍ أوضحاه.
وقال أبو السعود: الآية إما تقرير وتأكيد لما يُنبىء عنه الإنذار من سرعة مجيء المنذَر به، أي: كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا بعد الإنذار إلاّ عشية يوم واحد أو ضحاه، فلما ترك اليوم أضيف ضحاه إلى عشيته. وإمّا رد لما أدمجوه في سؤالهم، فإنهم كانوا يسألون عنها بطريق الاستهزاء مسعجلين لها، فالمعنى: كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا بعد الوعيد بها إلا عشية أو ضُحاها، واعتبار كون اللبث في القبور أو في الدنيا لا يقتضيه المقام، وإنما الذي يقتضيه اعتبار كونه بعد الإنذار، أو بعد الوعيد، تحقيقاً للإنذار، وردًّا لاستبطائهم. والجملة على الأول: حال من الموصول، فإنه على تقدير الإضافة وعلى عدمها مفعول لمُنذر، كما أنَّ قوله تعالى: ﴿كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِنَ النَّهَارٍ﴾ [يونس: ٤٥] حال من الضمير في " نحشرهم " أي: نحشرهم مشبّهين بمَن لم يلبث في الدنيا إِلا ساعة من النهار، خلا أن التشبيه هناك في الأحوال الظاهرة من الزي والهيئة، وفيما نحن فيه من الاعتقاد، كأنه قيل: