والإيذان باستحقاقه بالرفق والرأقة، وإمّا لزيادة الإنكار، كأنه تولَّى عنه لكونه أعمى. قاله أبو السعود.
﴿وما يُدْرِيك﴾ أي: أيّ شيء يجعلك دارياً بحال هذا الأعمى حتى تُعرض عنه ﴿لعله يَزَّكَّى﴾ ؛ لعل الأعمى يتطهّر بما سمع منك من دنس الجهل، وأصله: يتزكَّى، فأدغم. وكلمة الترجي مع تحقق الوقوع وارد على سنن الكبرياء، أو: على أنّ الترجّي بالنسبة إليه عليه السلام للتنبيه على أنَّ الإعراض عنه عند كونه مرجواً للتزكِّي مما لا ينبغي، فكيف إذا كان مقطوعاً بالتزكِّي، وفيه إشارة إلى أنَّ مَن تصدّى لتزكيتهم من الكفرة لا يرجى لهم التزكّي والتذكُّر أصلاً. وقوله تعالى: ﴿أو يذَّكَّرُ﴾ : عطف على " يزّكى "، داخل في حكم الترجي، قوله: ﴿فتَنفَعه الذِكرَى﴾ : عطف على " يذَّكَّر "، ومَن نصبه فجواب الترجي، أي: أو يتذكر فتنفعه موعظتك إن لم يبلغ درجة التزكي التام، أي: إنك لا تدري ما هو مترقَب منه مِن تزكٍّ أو تذكُّر، ولو دريت لَمَا فرط ذلك منك.
﴿
أمَّا مَن استغنى﴾
أي: مَن كان غنياً بالمال، أو: استغنى عن الإيمان، أو عما عندك من العلوم والمعارف التي انطوى عليه القرآن ﴿فأنت له تَصَدّى﴾ ؛ تتصدى وتتعرض له بالإقبال عليه، والاهتمام بإرشاده واستصلاحه. وفيه مزيد تنفير له ﷺ عن مصاحبتهم، فإنّ الإقبال على المدبِر ليس من شأن الكرام، أهل الغنى بالله. ﴿وما عليك ألاَّ يزَّكَّى﴾ أي: وليس عليك بأس في ألاَّ يزَّكّى بالإسلام حتى تهتم بأمره، وتُعرض عمن أسلم وأقبل إليك، وقيل: " ما " استفهامية، أي: أيُّ شيء عليك في ألاّ يزكّى هذا الكافر.
﴿وأمّا مَن جاءك يسعى﴾ أي: حال كونه مسرعاً طالباً لِما عندك من أحكام الرشد، وخصال الخير، ﴿وهو يخشى﴾ الله تعالى أو الكفار، أي: أذاهم في إتيانك، أو: الكبوة، أي: السقطة، كعادة العميان، ﴿فأنت عنه تَلَهَّى﴾ ؛ تتشاغل، وأصله: تتلهى. رُوي: أنه ﷺ ما عبس بعدها في وجه فقير قط، ولا تصدَّى لغَني بعدُ.
﴿كلاَّ﴾ أي: لا تَعُدْ إلى مثلها. وحاصل العتاب: ترجيح الإقبال على مَن فيه القبول والأهلية للانتفاع، دون مَن ليس كذلك ممن فيه استغناء، وإن كان قصده عليه السلام صالحاً، ولكن نبَّهه اللهُ ـ تعالى ـ على طريق الأولى في سلوك الدعوة إليه، وأنّ مظنة ذلك الفُقراء؛ لتواضعهم، بخلاف الأغنياء، لتكبُّرهم وتعاظمهم. ولذلك لم يتعرض ﷺ لغَنِي بعدها، ولم يُعرض عن فقير، وكذلك ينبغي لفضلاء أمته من العلماء الدعاة إلى الله، وقد كان الفقراء في مجلس الثوري أُمراء. ثم قال تعالى: ﴿إِنها تذكرةٌ﴾ ؛ موعظة يجب أن يُتعظ بها، ويُعمل بموجبها، وهو تعليل للردع عما ذكر ببيان رتبة القرآن العظيم الذي استغنى عنه مَن تصدّى له، ﴿فمَن شاءَ ذّكَرَه﴾ أي: فمَن شاء اللهُ أن يذكره ذكره. أي: ألهمه الله الاتعاظ به، أو: مَن شاء حفظه واتعظ به، ومَن رغب عنها، كما فعله المستغني، فلا حاجة إلى الاهتمام بأمره.


الصفحة التالية
Icon