عقلاً، واجب شرعاً، وأمّا المعتزلة فيقولون بوجوبه، بناء على قاعدة التحسين والتقبيح العقليين. هـ.
﴿
كلاَّ﴾
، ردع للإنسان عما هو عليه، ثم بيَّن سبب الردع فقال: ﴿لمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ﴾ أي: لم يقضِ العبد جميع ما أمَرَه اللهُ به؛ إذ لا يخلوا العبد من تقصيرٍ ما، فإن قلت: " لَمَّا " تقتضي توقع منفيها، وهو هنا متعذر كما قلتَ؟. قلتُ: الأمر الذي أمر الله به عبادَه في الجملة: هو الوصول إلى حضرة الشهود والعيان، وهو ممكن عادة، متوقع في الجملة، وقد وصل إليه كثير من أوليائه تعالى، فمَن وصل إليه فلا تقصير في حقه، وإن كانت المعرفة غير متناهية، ومَن لم يصل إليه فهومُقصِّر، غير أنَّ عقابه هو احتجابه عن ربه. والله تعالى أعلم.
ثم أَمَرَ بالتفكُّر في نِعم الله، ليكون سبباً للشكر، الذي هو: صرف كلية العبد في طاعة مولاه، فلعله يقضي ما أَمَرَه فقال: ﴿فلينظر الإِنسانُ إِلى طعامه﴾ أي: فلينظر إلى طعامه الذي هو قِوام بدنه، وعليه يدور أمر معاشه، كيف صيَّرناه، ﴿أَنَّا صَبَبْنَا الماءَ﴾ أي: الغيث ﴿صَبًّا﴾ عجيباً، فمَن قرأ بالفتح فبدل اشتمال من الطعام، وبالكسر استئناف. ﴿ثم شققنا الأرضَ﴾ بإخراج النبات، أو: بالحرث، وهو فعل الله في الحقيقة؛ إذ لا فاعل سواه، ﴿شَقًّا﴾ بديعاً لائقاً بما يشقها من النبات، صِغراً أو كِبراً، وشكلاً وهيئة، أو: شقاً بليغاً؛ إذ لا ينبت بمطلق الشق، وإذا نبت لا يتم عادة. و " ثم " للتراخي التي بين الصبّ والشق عادة، سواء قلنا بالنبات أو بالكَراب، وهو الحراثة.
﴿فأنبتنا فيها حَبًّا﴾ كالبُر والشعير وغيرهما مما يتغذّى به. قال ابن عطية: الحب: جمع حبة ـ بفتح الحاء، وهو: كل ما يتخذه الناس ويُرَبونه، والحِبة ـ بكسر الحاء: كل ما ينبت من البذور ولا يُحْفل به ولا هو بمتخَذ. هـ. ﴿وعِنباً﴾ أي: ثمرة الكَرْم، وهذا يؤيد أن المراد بالشق: حفر الأرض بالحرث أو غيره، لأنَّ العنب لا يشق الأرض في نباته، وإنما يغرس عوداً. وقال أبو السعود: وليس من لوازم العطف أن يقيد المعطوف بجميع ما قيّد به المعطوف عليه، فلا ضرر في في خُلُو نبات العنب عن شق الأرض. هـ. ﴿وقَضْباً﴾ وهو كل ما يقضب، أي: يُقطع ليُؤكل رطباً من النبات، كالبقول والهِلْيَوْن ونحوه مما يُؤكل غضاً، وهو جملة النِعَم التي أنعم الله بها، ولا ذكر له في هذه الآية إلاّ في هذه اللفظة. قاله ابن عطية. والهِلْيَوْن ـ بكسر الهاء وسكون اللام: جمع هليونة، وهو الهِنْدَبا. قاله ابن عرفة اللغوي، وقيل: هو الفِصْفَصَة، وهو ضعيف؛ لأنها للبهائم، وهي داخلة في الأَبْ.
﴿
وزيتوناً ونخلا﴾
، الكلام فيهما كما تقدّم في العنب، ﴿وحدائقَ﴾ ؛ بساتين ﴿غُلْباً﴾ : جمع غلباء، أي: غلاظ الأشجار مع نعومتها، وصفَ به الحدائق لتكاثفها وكثرة أشجارها، ﴿وفاكهةً﴾ أي: ما تتفكهون به من فواكه الصيف والخريف، ﴿وأبًّا﴾ أي:


الصفحة التالية
Icon