أدبر ولم يبقَ منه إلاّ اليسير، قال الشاعر:
حَتَّى إذا الصُّبحُ لها تَنَفَّسَا
وانجابَ عنها ليلُها وعَسْعسا
والحاصل: أنهما يرجعان إلى شيء واحد، وهو ابتداء الظلام في أوله وإدباره في آخره، ﴿والصبح إّذا تنفس﴾ ؛ امتدّ ضوؤه وارتفع حتى يصير نهاراً، ولمّا كان إقبال النهار يلازمه الروح والنسيم جعل ذلك نفساً له مجازاً، فقيل: تنفس الصبح.
وجواب القسم: ﴿إِنه﴾ أي: القرآن ﴿لقولُ رسولٍ كريم﴾ على ربه، وهو جبريل عليه السلام ـ قاله عن الله ـ عزّ وجل، وإنما أضيف القرآن إليه؛ لأنه هو الذي نزل به.
﴿ذي قوةٍ﴾ ؛ ذي قدرة على ما كلف به، لا يعجز عنه ولا يضعف، ﴿عند ذي العرش مكينٍ﴾ أي: عند الله ذا مكانة رفيعة ورتبة عالية، ولمّا كانت المكانة على حسب حال الممكن قال: ﴿عند ذي العرش﴾ ليدل على عظم منزلته ومكانته، والعندية: عندية تشريف وإكرام، لا عندية مكان. ﴿مطاعٍ ثَمَّ﴾ أي: في السموات يُطيعه مَن فيها، أو عند ذي العرش تُطيعه ملائكتُه المقربون، يصدون عن أمره، ويرجعون إليه، وقال بعضهم: ومن طاعتهم له: فتحوا أبواب السموات ليلة المعراج باستفتاحه لرسول الله ﷺ وفتح خزنةُ الجنة الجنةَ لمحمدٍ حتى دخلها، وكذا النار حتى نظر إليها. هـ. ﴿أمين﴾ على الوحي.
﴿
وما صاحِبُكم﴾
هو الرسول ﷺ ﴿بمجنونٍ﴾ كما تزعم الكفرة، وهو عطف على جواب القسم، مدخول في المقسَم عليه، ﴿ولقد رآه﴾ أي: رأى محمدٌ ﷺ جبريلَ على صورته التي خلقه اللهُ عليها، ﴿بالأُفق المبين﴾ أي: بمطلع الشمس الأعلى، وقال ابن عباس: قال النبي ﷺ لجبريل: " إني أُحب أن أراك في الصورة التي تكون عليها في السماء " قال: أتقدر على ذلك؟ قال: " بلى " قال: فأين تشاء؟ قال: " بالأبطح "، قال: لا يسعني، قال: " بمِنىً "، قال: لا يسعني، قال: " فبعرفات " قال: ذلك بالحري أن يسعني، فواعده، فخرج النبي ﷺ للوقت، فإذا هو قد أقبل من جبال عرفات بخشخشة وكلكلة، قد ملأ ما بين المشرق والمغرب، ورأسه في السماء، ورجلاه في الأرض، فلما رآه النبيُّ ﷺ خرّ مغشيًّا عليه، فتحوّل جبريلُ في صورته، فضمّه إلى صدره، وقال: لا تخف، فكيف لو رأيت إسرافيل ورأسه من تحت العرش، ورجلاه في التخوم السابعة، وإنَّ العرش لعلى كاهله، وإنه ليتضاءل أحياناً من مخافة الله تعالى حتى يصير مثل الوصع أي: العصفورـ حتى ما يحمل عرش ربك إلاّ عظمته. هـ.
أو: ولقد رأى جبريلَ عليه السلام ليلة المعراج. أو: لقد رآى ربه، وكان محمد ﷺ بالأُفق الأعلى.
﴿وما هو على الغيبِ﴾ أي: وما محمد على الوحي، وما يخبر به من الغيوب


الصفحة التالية
Icon