﴿بضنين﴾ ؛ ببخيل، على قراءة الضاد، من: ضنَّ بكذا: بخل به، أي: لا يبخل بالوحي كما يبخل الكهان رغبة في الحُلْوان، بل يُعلّمه لكل مَن يطلبه ولا يكتم شيئاً منه، أو: بمتهم على قراءة: المشالة، من الظنة وهي التهمة، أي: لا ينقص شيئاً مما أوحى إليه أو يزيد فيه، ﴿وماهو بقول شيطان رجيم﴾ ؛ طريد، وهو كقوله: ﴿وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ﴾ [الشعراء: ٢١٠] أي: ليس هو بقول المسترقة للسمع، وهو نفي لقولهم: إنه كهانة أو سحر.
﴿فأين تذهبون﴾ وتتركون الحقَّ الواضح؟ وهو استضلال لهم، كما يقال لتارك الجادة وذهب في التيه: أين تذهب، مُثَّلت حالهم في تركهم الحقّ، وعدولهم عنه إلى الباطل، بمَن ترك طريق الجادة، وسلك في غير طريق. وقال الزجاج: معناه: فأيُّ طريق تسلكون أبين من هذه الطريقة التي بيَّنْتُ لكم؟ وقال الجنيد: فأين تذهبون عنا، وإن من شيء إلاَّ عندنا: هـ. والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها، أي: لظهور أنه وحي مبين، وليس مما يقولون في شيء فأين تذهبون عنه؟ ﴿إِن هو إِلاّ ذِكْرٌ للعالَمين﴾ أي: موعظة وتذكير للخلق ﴿لمَن شاء منكم﴾ : بدل من العالمين بإعادة الجار، ﴿إن يستقيم﴾ : مفعول " شاء " أي: القرآن تذكير وموعظة لمَن شاء الاستقامة، يعني: إن الذي شاؤوا الاستقامة بالدخول في الإسلام هم المنتفعون بالذكر، فكأنه لم يوعظ به غيرهم، ﴿وما تشاؤون﴾ الاستقامة ﴿إِلاّ أن يشاء الله﴾.
ولمّا نزل قوله تعالى: ﴿لمَن شاء منكم أن يستقيم﴾ قال أبو جهل: الأمر إلينا، إن شئنا استقمنا، وإن شئنا لم نستقم، فأنزل الله تعالى: ﴿وما تشاؤون إِلاّ أن يشاء اللهَ ربَّ العالمين﴾ أي: مالك الخلق ومربيهم أجمعين، قال ابن منبه: قرأت بضعاً وثمانين كتاباً مما أنزل الله، فوجدتُ فيها: مَن جعل لنفسه شيئاً من المشيئة فقد كفر. وقال الواسطي: أعجزك في جميع أوصافك، فلا تشاء إلاّ بمشيئته، ولا تعمل إلاّ بقوته، ولا تطيع إلاّ بفضله، ولا تعصي إلاّ بخذلانه، فماذا يبقى لك، وبماذا تفتخر من أفعالك، وليس لك منها شيء؟. هـ.
وقال الطيبي عن الإمام: إنَّ مشيئة الاستقامة موقوفة على مشيئة الله؛ لأن مشيئة العبد محدثة، فلا بد لحدوثها من مشيئة أخرى، ثم قال: وقول المعتزلة: إن هذه المشيئة مخصوصة بمشيئة القهر والإلجاء ضغيف؛ لأنَّا بيَّنَّا أنّ المشيئة الاختيارية حادثة، ولا بد من محدث يحدثها. هـ.
الإشارة: فلا أُقسم بالخُنَّس؛ الحواس الخمس، وهي: السمع والبصر والشم والذوق والوجدان الباطني، فإنها تخنس، أي: تتأخر عند سطوع حلاوة الشهود، وهي الجوار الكُنَّس؛ لأنها تجري في تحصيل هواها عند الغفلة أو الفترة، وتستتر عند الذكر أو اليقظة، والليل إذا عسعس، أي: ليل القطيعة إذا أظلم على العبد برؤية وجوده ووقوفه مع