يُكفِّر، فإن فعل شيئاً من ذلك تاب ولا يعود. وقال الحسن والثوري: أراد الوطء خاصة، فأباحا ما دونه من قبل الكفارة. ﴿ذلكم﴾ الحُكم ﴿تُوعظون به﴾ لأنَّ الحُكم بالكفارة دليل على ارتكاب الجناية، فيجب أن تتعظوا بهذا الحُكم حتى لا تعودوا إلى الظهار، وتخافوا عقابَ الله عليه، ﴿واللهُ بما تعملون خبيرٌ﴾ مُطَّلِع على ما ظهر مِن أعمالكم، التي مِن جملتها الظاهر.
﴿فمن لم يجد﴾ الرقبة ﴿فصيامُ شهرين﴾ أي: فعليه صيام شهرين ﴿مُتتابعين مِن قبل أن يتماسا﴾ فإنْ أفسده باختياره من أوله باتفاق، وإن أفسده بعذر، كمرض أو نسيان، فقال مالك: يبني على ما كان معه، في رواية عنه، وقال أبو حنيفة: يبتدئ، ورُوي القولان عن الشافعي. ﴿فمَن لا يستطعْ﴾ الصيام ﴿فإِطعام ستين مسكيناً﴾ بمُدّ هشام على مذهب مالك. واختلف في قدره، فقيل: إنه مدان غير ثلث بمُد النبي ﷺ وقيل: إنه مُد وثلث، وقيل: إنه مُدان، وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي وابن القصار: يُطعم مُدّاً بمُد النبي ﷺ لكل مسكين، ولا يجزئه إلاّ كمالُ الستين، فإنْ أطعم مسكيناً واحداً ستين يوماً لم يجزه عند مالك والشافعي، خلافاً لأبي حنيفة، وكذلك إن أطعم ثلاثين مرتين، والطعام يكون من غالب قوت البلد.
وذكر الحق جلّ جلاله: ﴿من قبل أن يتماسا﴾ في العتق والصوم، ولم يذكره في الإطعام، فاختلف العلماءُ في ذلك، فَحَمل مالك الإطعامَ على ما قبله، ورأى أنه لا يكون إلاّ قبل المسيس، وجعل ذلك مِن المُطْلَق الذي يُحمل على المقَيد. وقال ابو حنيفة: يجوز للمظاهِر إذا كان من أهل الإطعام أن يطأ قبل الكفارة؛ لأن الله لم ينص في الإطعام أنه قبل المسيس، وقال الشافعي: يجب تقديمه على المسيس، لكن لا يستانف إن مسّ في حال الإطعام. وجعل الأطعام. وجعل الحق جلّ جلاله كفارة الظهار مُرتّبة، فلا ينتقل عن الأول حتى يعجز عنه، ومثلها كفارة القتل والتمتُّع، وقد نظم بعضهم أنواع الكفارات، ما فيه الترتيب وما فيه التخيير، فقال:
خيِّرْ بِصَومٍ ثَمَّ صَيدٍ وَأذَى
وقُل لِكُلَّ خصلةٍ يا حَبَّذا
وَرَتِّب الظِّهارَ والتَّمَتُّعا
وَالقَتلَ ثَمّ في اليمين اجتمعا
﴿ذلك لتؤمنوا﴾ الإشارة إلى ما مرّ من البيان والتعليم للأحكام، ومحله رفع أو نصب، أي: ذلك واقع، أو فصّلنا ذلك لتؤمنوا ﴿بالله ورسولِه﴾ وتعملوا بشرائعه التي شرعها لكم، وترفُضوا ما كنتم عليه في جاهليتكم، ﴿وتلك﴾ أي: الأحكام التي وصفنا في الظِهار والكفارة، ﴿حدودُ الله﴾ التي لا يجوز تعدّيها، ﴿وللكافرين﴾ أي: الذين لا يعملون بها ﴿عذابٌ أليم﴾ عبّر عنه بالكفر تغليظاً على طريق: ﴿وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: ٩٧].
بنية وجه الله فله فيها أجر، فإنَّ كُلَّ مباح يمكن أن يصير قُربة إذا قصد به وجه الله، مثل أن يقصد بالأكل القوة على العبادة، ويقصد بالجِمَاع التعفُّف عن الحرام، وشبه ذلك. هـ.
ودرجات الإخلاص ثلاث: الأولى: أن يعبد الله لطلب غرض دنيوي أو أخروي من غير ملاحظة أحد من الخلق، والثانية: أن يعبد الله لطلب الآخرة فقط، والثالثة: أن يعبد الله عبودية ومحبة.
يقول الحق جلّ جلاله: ﴿إِنّ الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين﴾ المتقدمين في أول السورة، ﴿في نارَ جهنم خالدين فيها أولئك هم شَرُّ البريَّةِ﴾ أي: الخليقة؛ لأنّ الله بَراهم، أي: أوجدهم. قُرىء بالهمزة، وهو الأصل، ويعدمه مع الإدغام، وهو الأكثر.
﴿إِنَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خيرُ البريَّةِ﴾ لا غيرهم، ﴿جزاؤُهم عند ربهم جناتُ عدنٍ﴾ إقامة، ﴿تجري من تحتها الأنهارُ خالدين فيها أبداً رضى الله عنهم ورَضُوا عنه﴾ حيث بلغوا من الأماني قاصيها، وملكوا من المآرب ناصيتها، وأتيح لهم ما لا عين رأت ولا أُذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. ﴿ذلك لِمَنْ خَشِيَ ربَّه﴾، فإنَّ الخشية التي هي مِن خصائص العلماء به مناطاة بجميع الكمالات العلمية والعملية، المستتبعة للسعادة الدينية والدنيوية. والتعرُّض لعنوان الربوبية، المعربة عن المالكية والتربية؛ للإشعار بعلو الخشية والتحذير من الاغترار بالتربية. قاله ابو السعود.
وقوله: ﴿خير البرية﴾ يدل على فضل المؤمنين من البشر على الملائكة. وفيه تفصيل تقدّم ذكره في النساء. قال القشيري: قوله تعالى: ﴿خير البرية﴾ يدل على أنهم أفضل من الملائكة. هـ. قال في الحاشية: أي: في الجملة، ثم ذكر حكاية الرجل الذي أحياه الله بعد موته بدعوة عيسى، فقال: إنه كان في الجنة، وأنه مرّ بملأ من الملائكة، وهم يقولون: إنَّ من بني آدم لَمَنْ هو أكرم على الله من الملائكة. ثم ذكر عن نوادر الأصول: أنَّ المؤمن أكرم على الله من الملائكة المقربين، فانظره. وقال بعضهم: الملائكة عقل بلا شهوة، والبهائم شهوة بلا عقل، والآدمي فيه عقل وشهوة، فمَن غلب