مفعول بإيلاف، وأراد رحلتي الشتاء والصيف، فأفرد لأمن الإلباس.
﴿فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هذا البيت الذي أَطْعَمَهم﴾ بسبب تينك الرحلتين اللتين تمكنوا منها بواسطة كونهم من جيرانه، ﴿من جوعٍ﴾ شديد كانوا فيه قبلهما. قال الكلبي: أول مَن حمل السمراء من الشام، ورحل إليها: هاشم بن عبد مناف. هـ. ولمّا بعث اللهُ نبيه، الذي هو نبي الرحمة، وأسلمت قريش، أراح اللهُ الناسَ من تعب الرحلتين، وجلبت إلى مكة الأرزاق من كل جانب، ببركة طلعته صلى الله عليه وسلم. قال مالك بن دينار: ما سقطت أُمة من عين الله إلاّ ضرب أكبادهم بالجوع. وكان عليه الصلاة والسلام يقول: " اللهم إني أعوذ بك من الجوع، فإنه بئس الضجيع " والمذموم هو الجوع المفرط، الذي لم يصحبه في الباطن قوة ولا تأييد، وإلاَّ فالجوع ممدوح عند الصوفية، أعني الوسط.
ثم قال تعالى: ﴿وآمنهم من خوف﴾ أي: من خوف عظيم، وهو خوف أصحاب الفيل، أو: من خوف الناس في أسفارهم، أو: من القحط في بلدهم. وقيل: كان أصابتهم شدة حتى أكلوا الجِيَف والعظام المحرقة، فرفعه الله عنهم بدعوته صلى الله عليه وسلم، فهذا معنى: ﴿أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم من خوف﴾، وقيل: الجذام، فلا يصيبهم ببلدهم، وذلك بدعاء إبراهيم عليه السلام بقوله: ﴿اجْعَلْ هَاذَا بَلَداً آمِناً﴾ [البقرة: ١٢٦] الآية.
الإشارة: كما أمَّن اللهُ أهل بيته أمَّن أهل نسبته، فلا تجد فقيراً متجرداً إلاّ آمناً حيث ذهب، والناس يُختطفون من حوله. قلت: وقد رأينا هذا الأمر عامَ حصر " سلامة " على تطوان، فكان كل مَن خرج من تطوان يُنتهب أو يُقتل، ونحن نذهب حيث شئنا آمنين بحفظ الله، وهذا إذا لبسوا زي أهل النسبة، من المُرقَّعة والسبحة والعصا، فإن ترك زيَّه وأُخذ فقد ظلم نفسه، وقد ترك بعضُ الفقراء زيَّه، وسافر فتكشّط، فقال له شيخه: أنت فرَّطت، والمفرط أولى بالخسارة. هـ. ويُقال لأهل النسبة: فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هذا البيت، أي: بيت الحضرة التي طلبتموها، أو: بيت النسبة التي سكنتم فيها، الذي أطعمكم من جوعٍ، حيثما توجتهم، مائدتكم منصوبة، وآمنكم من خوفٍ حيث سِرتم. والله تعالى أعلم، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله.