للكمالات ﴿أحَدٌ﴾ لا شريك له في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، لا يتبعّض ولا يتجزّأ، ولا يُحد، ولا يُحصَى، أول بلا بداية، وآخر بلا نهاية، ظاهر بالتعريف لكل أحد، باطن في ظهوره عن كل أحد.
وأصل ﴿أحد﴾ هنا " وَحَد " فأبدلت الواو همزة، وليست كأحد، الملازم للنفي، فإنَّ همزة أصلية. ووصفه تعالى بالوحدانية له ثلاث معان، الأول: أنه لا ثاني له، فهو نفي للعدد، والآخر: أنه واحد لا نظير له ولا شريك له، كما تقول: فلان واحد عصره، أي: لا نظير له، الثالث: أنه واحد لا ينقسم ولا يتبعّض. والأظهر أن المراد هنا: نفي الشريك، لقصد الرد على المشركين. انظر ابن جزي.
﴿اللهُ الصمدُ﴾ وهو فَعَلٌ بمعنى مفعول، من: صمد إليه: إذا قصده، أي: هو السيّد المصمود إليه في الحوائج، المستغني بذاته عن كل ما سواه، المفتقِر إليه كلُّ ما عداه، افتقاراً ضرورياً في كل لحظة، إذ لا قيام للأشياء إلاّ به. أو الصمد: الدائم الباقي الذي لم يزل ولا يزال، أو: الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، والذي يُطْعِم ولا يُطْعَم ولا يأكل ولا يشرب، أو: الذي لا جوف له، وتعريفه لعلمهم بصمديته، بخلاف أحديته.
وتكرير الاسم الجليل، للإشعار بأنَّ مَن لم يتصف بذلك فهو بمعزلٍ عن استحقاق الألوهية، والتلذُّذ بذكره. وتعرية الجملة عن العاطف، لأنها كالنتيجة عن الأولى، بيَّن أولاً ألوهيته عزّ وجل، المستوجبة لجميع نعوت الكمال، ثم أحديته الموجبة لتنزّهه عن شائبة التعدد والتركيب بوجهٍ من الوجوه، وتوهم المشاركة في الحقيقة وخواصها، ثم صمديته المقتضية لاستغنائه الذاتي عما سواه، وافتقار المخلوقات إليه في وجودها وبقائها وسائر أحوالها، تحقيقاً للحق، وإرشاداً إلى التعلُّق بصمديته تعالى. ثم صرّح ببعض أحكام مندرجة تحت الأحكام السابقة، فقال: ﴿لم يلدْ﴾ أي: لم يتولد عن شيء، ردًّا على المشركين، وإبطالاً لاعتقادهم في الملائكة والمسيح، ولذلك ورد النفي على صيغة الماضي، أي: لم يصدر عنه ولد؛ لأنه لا يُجانسه شيء يمكن أن يكون له من جنسه صاحبة ليتوالدا، كما ينطق به قوله تعالى: ﴿أَنَّىا يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَاحِبَةٌ﴾ [الأنعام: ١٠١]، ولا يفتقر إلى ما يُعينه أو يخلفه؛ لاستحالة الحاجة عليه، لصمدانيته وغناه المطلق.
﴿ولم يُولدْ﴾ أي: لم يتولد عن شيءٍ، لا ستحالة نسبة العدم إليه سابقاً ولاحقاً. والتصريح به مع كونهم معترفين بمضمونه لتقرير ما قبله وتحقيقه، وللإشارة إلى أنهما متلازمان، إذ المعهود أنَّ ما يلد يولد، وما لا فلا، ومِن قضية الاعتراف بأنه لم يلد: الاعتراف بأنه لم يُولد، ﴿ولم يكن له كُفُواً أحَدٌ﴾ أي: ولم يكن أحد مماثلاً له ولا مشاكلاً، مِن صاحبة أو غيرها. و (له) : متعلق بـ " كُفُواً "، قدمت عليه للاهتمام بها؛ لأنَّ المقصود نفي المكافأة عن ذاته تعالى، وأمّا تأخير اسم كان فلمراعاة الفواصل. ووجه


الصفحة التالية
Icon