ثم ذكر المتعوَّذ منه فقال: ﴿من شرِّ ما خَلَقَ﴾ من الثقلين وغيرهم، كائناً ما كان، وهذا كما ترى شامل لجميع الشرور الجمادية، والحيوانية، والسماوية، كالصواعق وغيرها. وإضافة الشر إليه ـ أي: إلى كل ما خلق ـ لاختصاصه بعالَم الخلق، المؤسس على امتزاج المراد المتباينة، وتفاصيل كيفياتها المتضادة المستتبعة للكون والفساد في عالَم الحكمة، وأمّا عالَم الأمر فهو منزّه عن العلل والأسباب، والمراد به: كن فيكون.
وقوله تعالى: ﴿ومن شر غَاسِقٍ إِذا وَقَبَ﴾ تخصيص لبعض الشرور بالذكر، بعد اندراجه فيما قبله، لزيادة مساس الحاجة إلى الاستعاذة منه، لكثرة وقوعه، أي: ومن شر الليل إذا أظلم واشتد ظلامه، كقوله تعالى: ﴿إِلَىا غَسَقِ الْلَّيْلِ﴾ [الإسراء: ٧٨]. وأصل الغسق: الامتلاء. يقال: غسقت عينيه إذا امتلأت دمعاً، وغَسَقُ الليل: انضباب ظلامه. وقوله: ﴿إذا وقب﴾ أي: دخل ظلامه، وإنما تعوَّذ من الليل لأنه صاحب العجائب، وقيل: الغاسق: القمر، ووقوبه: دخوله في الكسوف واسوداده، لِما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أخذ رسولُ الله ﷺ بيدي، وقال: " تعوذي بالله من شر هذا الغاسق إذا وقب " وقيل: وقوب القمر: محاقه في آخر الشهر، والمنجِّمون يعدونه نحساً، ولذلك لا تستعمل السحرةُ السحرَ المُورث للمرض إلاَّ في ذلك الوقت، قيل: وهو