وتسهيلاً، فإذا بلغ أجل الوصول، وحل التمكين، فلا ميزان على النفس، إن شاء أمسك عليها إبقاء، وإن شاء غاب عنهما فناء، وأشهِدوا ذّوّيْ عدل منكم، وهم أهل الفن، فلا يخرج مِن ربقة المجاهدة وعش الإرادة، حتى يشهد له الشيخ أو أهل الفن. والله تعالى أعلم.
ثم حَضَّ على التقوى التي هي مجمع الخير، فقال:
﴿... وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً﴾.
يقول الحق جلّ جلاله: ﴿ومَن يَتَّقِ اللهَ﴾ بأن طلَّق للسُنَّة، ولم يُضار بالمعتدّة، ولم يُخرجها من مسكنها، واحتاط في الإشهاد، وغير ذلك، ﴿يجعل له مخرجاً﴾ مما عسى يقع في شأن الأزواج من الغموم والمضائق، ويُفرِّج عنه ما يعتريه من الكروب. رُوي عن ابن عباس أنه قال لمَن طَلَّق ثلاثاً: " إنك لم تتق الله، فبانت منك امرأتك ". والمختار: أنَّ الآية عامة، أي: ومَن يتق الله في أقواله وأفعاله وأحواله يجعل له مخرجاً من كرب الدنيا والأخرة. وعن النبي ﷺ أنه قرأها، فقال: " مخرجاً من شُبهات الدنيا، ومن غمرات الموت، ومن شدائد يوم القيامة "، قال ابن جزي: وهذا ـ أي العموم ـ أرجح من خمسة أوجه، الأول: حمل اللفظ على عمومه، فيدخل فيه الطلاق وغيره. والثاني: رُوي: أنها نزلت في عوف بن مالك الأشجعي، وذلك أنه أُسر ولده، وضُيِّق عليه رزقه، فشكا ذلك إلى رسول الله ﷺ فأمره بالتقوى، وقال له: " أَكْثِرْ من: لاحَول ولا قوة إلا بالله " فلم يلبث إلاَّ يسيراً، وانطلق ولده، ووسع عليه زرقه. والثالث: أنه رُوي عنه ﷺ أنه قال: " إني لأَعْلمُ آية لو أخذ الناسُ بها لكفتهُم ﴿ومَن يَتَّقِ الله يَجْعَل له مخرجا﴾ " فما زال يكررها، انظر بقيته.
﴿ويَرْزُقه من حيثُ لا يحتسب﴾ أي: من وجوه لاتخطر بباله ولا بحسبه، ﴿ومَن يَتَوَكَّلْ عَلَى الله﴾ أي: يكل أمرَه إليه من غير تعلُّق بغير، ولا تدبير نفس، ﴿فهو حَسْبُه﴾ ؛ كافيه في جميع أموره، ﴿إِنَّ اللهَ بالغُ أَمْرِه﴾، بالإضافة في قراءة حفص، أي: منفذاً أمره، وبالتنوين والنصب عند غيره، أي: مبلغ ما يريد، لا يفوته مُراد، ولا يعجزه مطلوب. ﴿قد جعل اللهُ لكل شيءٍ قَدْراً﴾ ؛ تقديراً، أو توقيتاً، أو مقداراً معلوماً ووقتاً محدوداً، لا يتقدمه ولا يتأخر عنه، وهذا حث على التوكل وترغيب فيه، لأنَّ العبد إذا عَلِمَ أنَّ الأمور


الصفحة التالية
Icon