الاستغراق في سُكر بحر الحقيقة، تبتغي مرضاة بقاء نفسك، والشعور بوجودها. وكان ﷺ يقول: " لي وقت لا يَسعني فيه غير ربي " وكان يقول لعائشة حين يغلب عليه السُكْر والاضمحلال في الحق: " كلميني حركيني يا حميراء " وكذلك القلب إذا غلب عليه الوجد، وخاف من الاصطلام، أو مِن مَحق البشرية، يطلب مَن يبرد عليه مِن نفسه أو مِن غيره، وقد سَمِعْتُ مِن شيخ شيخنا رضي الله عنه أنه قال: كان يغلب عَلَيَّ الوجد والسكر، فكنت أذهبُ إلى مجالسة العوام ليبُرد عليّ الحال، خوفاً من الاصطلام أو المحق، وذلك بعد وفاة شيخه.
وقوله تعالى: ﴿والله غفور رحيم﴾ أي: فلا يؤاخذ العبدَ بهذا الميل اليسير إلى الحس، دواء لنفسه، قد فرض اللهُ لكم تحلةَ أيمانكم، أي: الميل اليسير إلى الرفق بالنفس؛ لأنها مطية القلب، بمجاهدتها يصل إلى كعبة الوصول، وهي حضرة الرب. وبالله التوفيق.
يقول الحق جل جلاله: ﴿وإِذ أَسَرَّ﴾ أي: واذكر أيها السامع حين أَسَرَّ ﴿النبيُّ إِلى بعض أزواجه﴾ يعني حفصة ﴿حديثاً﴾ ؛ حديث تحريم مارية، أو العسل، أو إمامة الشيخين، ﴿فلما نَبَّأَتْ به﴾ أي: أخبرت حفصةُ عائشةَ بالحديث وأفشته، فحذف المفعول، وهو عائشة، ﴿وأظْهَرَه اللهُ عليه﴾ أي: أطلع اللهُ تعالى نبيَّه ـ عليه الصلاة والسلام ـ على إفشاء حفصة على لسان جبريل عليه السلام، أو: أظهر الله عليه الحديث، من الظهور، ﴿عَرَّفَ بعضَه﴾ أي: عرَّف النبيُّ ﷺ حفصةَ بعض الحديث الذي أفشته، قيل: هو حديث الإمامة، رُوي أنه عليه الصلاة والسلام قال لها: " ألم أقل لك اكتمي عليّ "؟ قالت: " والذي بعثك بالحق ما ملكتُ نفسي " فرحاً بالكرامة التي خَصَّ اللهُ تعالى بها أباها.
﴿وأَعْرَضَ عن بعضٍ﴾ فلم يُخبرها تكرُّماً. قال سفيان: ما زال التغافل من فعل الكرام، وقال الحسن: ما استقصى كريم قط. وقرأ الكسائي: " عَرَف " بالتخفيف، أي: