يقول الحق جلّ جلاله: ﴿يا أيها الذين آمنوا تُوبوا إِلى الله توبةً نَصوحاً﴾ أي: بالغة في النصح، وُصفت بذلك مجازاً، وهي وصف للتائبين، وهو أن ينصحوا بالتوبة أنفسَهم، فيأتوا بها على طريقتها، وذلك أن يتوبوا عن القبائح، لقبْحها، نادمين عليها، مغتمِّين أشد الاغتمام لارتكابها، عازمين على أنهم لا يعودون إلى قبيح من القبائح، وقيل: نصوحاً: صادقة، وقيل: خالصة، يُقال: عسل ناصح: إذا خلص من شمعه، وقيل: مِن نصاحة الثوب، أي: ترقيعه، لأنها ترقع خروقك في دينك وترمّ خللك، وقيل: توبة تنصح الناس، أي: تدعوهم إلى مثلها؛ لظهور آثارها في صاحبها، باستعمال الجد والعزيمة في العمل على مقتضياتها، ومَن قرأ بضم النون فمصدر، أي: ذات نصوح، أو تنصح نصوحاً. وفي الحديث: " التوبة النصوح أن يتوب، ثم لا يعود إلى الذنب إلى أن يعود اللبن في الضرع " وعن حذيفة: " بحسب الرجل من الشر أن يتوب من الذنب ثم يعود فيه " وعن ابن عباس رضي الله عنه: " هي الاستغفار باللسان، والندم بالجنان، والإقلاع بالأركان ". ﴿عسى ربُّكم أن يُكَفِّرَ عنكم سيئاتِكم﴾، هذا على ما جرى به عادة الملوك من الإجابة بعسى ولعل، ووقوع ذلك منهم موقع القطع والبت. وقيل: عبّر بـ " عسى " للإشعار أنّ المغفرة تفضل وإحسان، وأنّ التوبة غير موجبة لها، ولِيَبقى العبد بين خوف ورجاء ولو عمل ما عمل. ﴿ويُدْخِلَكم جناتٍ تجري من تحتها الأنهارُ يومَ لا يُخزي اللهُ النبيَّ﴾. هو ظرف لـ " يدخلكم " ﴿والذين آمنوا معه﴾ : عطف على " النبي "، و " معه ": ظرف لآمنوا، وفيه تعريض بمَن أخزاهم الله من الكفرة. ﴿نُورُهُمْ﴾ : مبتدأ، و ﴿يسعى﴾ خبره، أي: يُضيء ﴿بين أيديهم وبأَيمانهم﴾ أي: على الصراط وفي مواطن القيامة، ﴿يقولون﴾ حال، أي: قائلين حين ينطفىء نور المنافقين: ﴿ربنا أتمم لنا نورنا واغفرْ لنا إِنك على كل شيءٍ قديرٌ﴾، وقيل: يدعون بذلك تقرُّباً إلى الله مع تمام نورهم، وقيل: تتفاوت أنوارهم
بحسب أعمالهم، فيسألون إتمامه تفضُّلاً، وقيل: السابقون إلى الجنة يمرون مثل البرق على الصراط، وبعضهم كالريح، وبعضهم كأجاود الخيل، وبعضهم حبواً، وزحفاً، وهم