الثريد على سائر الطعام ". قال النسفي: وفي طيِّ هذين التمثيلين تعريض بأمَّيِّ المؤمنين المذكورتين في أوّل السورة، وما فرط منهما من التظاهر على رسول الله ﷺ بما كَرِهه، وتحذير لهما على أغلظ وجه، وإشارة إلى أنّ مِن حقهما أن تكونا في الأخلاق كهاتين المؤمنتين، وألاّ تتكلا على أنهما زوجا رسول الله صلى عليه وسلم. هـ. وفي الثعلبي: وقال ابن عباس وجماعة: قطع اللهُ بهذه الآية طمَعَ مَن ركب المعصية، ورجا أن ينفعه صلاح غيره، وأخبر أنّ معصية غيره لا تضره إذا كان مطيعاً. هـ.
الإشارة: قال القشيري: المرأتان الكافرتان إشارة إلى النفس الأمّارة والهوى المتَّبع، أي: كانتا تحت القلب والروح، فخانتاهما، حيث غلبتا القلبَ والروحَ، وجذبتاهما إليهما، فمال القلب إلى الحظوظ الجسمانية، ومالت الروحُ إلى الحروف الظلمانية، كحب الجاه والرئاسة والكرامة، فلم تُغنيا عنهما من الله شيئاً، حيث فاتهما اليقين والمعرفة العيانية، والمرأتان المؤمنتان إشارة إلى النفس المطمئنة والقلب المطمئن، حيث غلبا النفس الأمّارة والهوى، لم يضرهما صحبتهما، فقالت النفس المطمئنة: ربّ ابن لي عندك بيتاً في الجنة، في مقعد صدق عند مليك مقتدر، والقلب لمّا حَفِظً نفسه من دخول العلل، نفخ الحقُّ فيه من روحه، فأحياه به، وأشْهَده أنوار قدسه، فصدّق بكلمات الله الدالة على ذاته، ثم ترقَّى إلى شهود المتكلِم، وكان من القانتين، فجمع بين شهود عظمة الربوبية وآداب العبودية. قال الورتجبي: ﴿فنفخنا فيه... ﴾ الآية، أي: ظهر فيه نور الفعل، ثم ظهر في نور الفعل نور الصفة، فظهر في نور الصفة نور الذات، فكان بنور الذات والصفات حيًّا موصوفاً بصفاته، ناظراً إلى مشاهدة نور ذاته، لم تنقطع عنه أنوار الذات والصفات والفعل أبداً. وهذه خاصية لمَن له أثر من روحه. قال بعضهم: نفخ من نوره في روح عبده، ليحيي بذلك الروح، ويحيى به، ويطلب النورَ ولا يغفل عن طلب المُنوِّر، فيعيش في الدنيا حميداً، ويُبعث في الآخرة شهيداً، فلمّا وجدت رَوحُ روحِ الله صدّقت بظهوره في العالم، وشبيه قلوب العالمين بأنه يكون مرآة الحق للخلق، وذلك قوله: ﴿وصَدَّقت بكلمات ربها﴾ ولمّا باشر أنوار القدس وروح الأنس كادت نفسها أن تميل إلى السكر في الأنانية، فسبق لها العناية، وأبقاها في درجة العبودية، حتى لا تسقط بالسُكر عن مقام الصحو، ألا ترى كيف قال: ﴿وكانت من القانتين﴾ أي: من المستقيمين في معرفتها بربها، ومعرفتها بقيمة نفسها أنها مُسَخَّرة عاجزة لربها. هـ. وبالله
التوفيق. وصلّى الله على سيدنا محمد وآله.