السماء، وأشكلت علينا القبلة، فصلينا، وعلّمنا، فلما طلعت الشمس إذا
نحن قد صلينا إلى غير القبلة، فنزلت (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ).
ومن هذا قول الحسن البصري في قوله عزَّ وجلَّ: (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى) إنها نزلت في نسخ التراجع الذي
كانوا يفعلونه، إذا قَتَلَ الرجلُ امرأةً كان أولياؤها بالخيار بين قتله مع تأدية
نصف ديته، وبين أخذ نصف دية الرجل وتركه، وإن كان قاتلَ الرجلِ امرأة
كان أولياء المقتول بالخيار بين قتل المرأة، وأخذ نصف دية الرجل، وإن
شاؤوا أخذوا الدية كاملة، ولم يقتلوها.
قال: فنسخت هذه الآية ما كانوا يفعلونه، فإن كانت هذه الآية نزلت في ذلك فهي محكمة، ولا يقال: إنها ناسخة لفعلهم؛ لأن فعلهم ذلك لم يكن بقرآن تزل، ولا هو حكم من أحكام الله عز وجل، ولا يقال أيضاً لذلك الفعل الذي كانوا يفعلونه: منسوخ؛ لأنه لم يكن حكماً ثابتاً بخطاب سابق لهذا الخطاب.
وعن ابن عباس أن هذه الآية منسوخة بقوله عزْ وجل في المائدة:
(وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ)
فهذه أوجبت قتل الرجل بالمرأة، والمرأة بالرجل، والحر بالعبد، والعبد بالحر، وليس هذا مما أصححه عن ابن عباس، رحمه الله؛ لأنّ هذه الآية إنما هي إخبار من الله عز وجل بما أنزل في التوراة.
فإن قيل: فقد قال بعد ذلك: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ).
قلت: أراد الله سبحانه أن اليهود خالفوا التوراة، ولم يحكموا بها، وقد قال بعد ذلك: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا).


الصفحة التالية
Icon