وهو قائم، إنما الاستثناء أن يخرج الاسم الذي بعد (إلا) من معنى
الأسماء قبل (إلا)، وقد أراه جائزاً أن يقول لي: "عليك ألف سوى
ألف آخر"، فإن وضعت (إلا) في هذا الموضع صلحت، وكان (إلا) في
تأويل ما قالوا، فأما مجردة قد استثني قليلها من كثيرها فلا ولكن مثله
مما لا يكون معنى إلا كمعنى الواو، وليست بها.
قوله عز وجل: (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ) هو في المعنى: إلَّا الذي شاء ربك من الزيادة فلا تجعل (إلا) بمنزلة الواو، ولكن بمنزلة سوى، فإذا كانت (سوى) في موضع (إلا) صلحت بمعنى الواو، ولأنك تقول: عندي مال كثير سوى هذا أي وهذا عندي، كأنك قلت: عندي مال كثير وهذا، وهو في (سوى) أبعد منه في (إلا) لأنك قد تقول: عندي سوى هذا، ولا تقول (إلا) هذا، والقول الراجح أنه متصل والمعنى: لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم أي إلا الذي ظلم، وخاف، ثم بدل حسناً يعني إلا من هذه صفته، فإنه قد خاف لدي، ويتصل قوله (فإني غفور
رحيم) بقوله: عز وجل: (لا يخاف لدي المرسلون) أي إلَّا من عمل
بغير إذن، ويؤيّد ذلك قول ابن جريج: لا يخاف الأنبياء إلَّا بذنب يغشاه
أحدهم فإن أصابه أخافه الله.
وقول الحسن: كانت الأنبياء تذنب، فتعاقب، وإنما أخيف لقتله النفس، لأنه لو اقتصر على قوله: (لا يخاف لدى المرسلون) لقال قائل: فقد خاف موسى عليه السلام حين قال (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي).
فقال عز وجل: (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) أي إلا من فعل مثل ما فعلت، ثم بدل حسناً، فإنه قد خاف لدي، وقد كان يكفي قوله: (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ)، وإنما قال
(ثم بدل حسناً بعد سوء) لطفاً